ثبت في الشريعة تحريم الزنا بالأمهات ، وتحريم أكل بعض القاذورات ونحوها مما لا يرغب فيه الإنسان بطبعه مع قطع النّظر عن تحريمه ، والسر في صحة التكليف في هذه الموارد ان الترك فيها مستند إلى اختيار المكلف ، فلا يقبح التكليف به.
وتوهم لزوم اللغوية من جعل الحكم على نحو العموم ليشمل من يكون تاركا لمتعلق النهي بنفسه وبطبعه.
مدفوع بان مصلحة جعل التحريم ليس مجرد حصول الترك في الخارج ، بل هو مع جعل الداعي إلى المكلف إمكانا ليجعل نهي المولى داعيا إلى الترك ، ويكون بذلك مطيعا له ومتقربا منه ، فيكمل بذلك نفسه ، ويرتفع به مقامه كما هو الغرض الأقصى من التشريع كله.
واما ما ذكره من قبح جعل الحرمة للشيء الخارج عن محل الابتلاء فغير تام ، لأن الشيء الخارج عن محل الابتلاء إذا صح تعلق التكليف الوجوبيّ به كما هو مفروض كلامه فلا بد وأن يكون مقدورا ، وإذا كان فعله مقدورا فلا بد وأن يكون تركه أيضا اختياريا ، ومعه يصح تعلق النهي به لا محالة.
وبعبارة أخرى : الفعل الممكن إذا كان وجوده مستندا إلى اختيار الفاعل فعدمه يستند إلى اختياره لا محالة ، وعليه فالعلم الإجمالي بالتكليف مطلقا ، وجوبيا كان أو تحريميا ، ينجز معلومه ولو كان بعض أطرافه خارجا عن محل الابتلاء ، لأنه علم بالتكليف الفعلي على كل تقدير. نعم إذا كان الخارج عن محل الابتلاء غير مقدور للمكلف عقلا ، أو كان صدوره منه ممتنعا عادة كما في كثير من الأمثلة المذكورة في المقام لم يكن العلم الإجمالي حينئذ منجزا ، لانتفاء الأمر الأول الّذي ذكره الشيخ رحمهالله شرطا في تنجيز العلم الإجمالي ، وهو اعتبار القدرة في جميع أطرافه ، لا من جهة الخروج عن محل الابتلاء.
وحاصل الكلام انه لا يعتبر في صحة التكليف أزيد من القدرة العقلية على