ولو كان الأمر بالصوم كافيا في ردعه عن الابطال أيضا ، كما هو الحال في أكثر المتدينين بل جميعهم ، وهكذا الحال في غير الصوم من الواجبات الإلهية ، ومن الواضح ان الالتزام بالفساد فيها بديهي الفساد ، وإذا صح التقرب بذلك ظهر صحة النهي عما لا يكون للمكلف داعي إلى فعله غالبا أو دائما ، فانه في مثل ذلك يكون الداعي الفعلي إلى الترك كلا الأمرين من الداعي النفسانيّ والتكليف الإلهي على نحو يصلح كل منهما للداعوية مستقلا ، وقد عرفت انه يكفي في حصول التقرب من المولى الّذي هو الغاية القصوى من التكليف.
(بقي أمران) الأول : انه بناء على اعتبار الدخول في محل الابتلاء في صحة التكليف وحسنه ، إذا شككنا في كون بعض أطراف العلم الإجمالي خارجا عن محل الابتلاء من جهة الشك في مفهومه وعدم تعين حده ، فهل يرجع فيه إلى الإطلاقات ، أو إلى أصالة البراءة في الطرف المبتلى به؟ وجهان. ذهب شيخنا الأنصاري رحمهالله إلى الأول (١) بدعوى انه لا بد من التمسك بالإطلاق في مقام الإثبات ما لم يثبت التقييد ، ولازم ذلك هو العلم بالتكليف الفعلي الموجب لعدم جريان الأصول في أطرافه. وذهب صاحب الكفاية إلى الثاني (٢) ، بتقريب : ان التمسك بالإطلاق في مقام الإثبات انما يتم فيما إذا صح الإطلاق ثبوتا ، ليستكشف بالإطلاق في مقام الإثبات الإطلاق في مقام الثبوت ، ومع الشك في صحة الإطلاق ثبوتا لا أثر للإطلاق إثباتا.
والتحقيق : كما ذهب إليه المحقق النائيني رحمهالله (٣) صحة ما أفاده الشيخ قدسسره والوجه فيه ان بناء العقلاء أنما هو على حجية ظاهر كلام المولى ما لم تثبت قرينة عقلية أو
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٤٢٢ (ط. جامعة المدرسين).
(٢) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢٢٣.
(٣) فوائد الأصول : ٤ ـ ٥٥ ـ ٥٧.