للواجب الآخر في القسم الأول كان معلوما في الجملة ، وانما الشك في كون امتثاله مسقطا لامتثال الآخر وعدمه. واما في هذا القسم فالمسقطية متيقنة ، وانما الشك في كونه عدلا للواجب ، أو كون عدمه شرطا لوجوبه.
الصورة الثالثة : ان يعلم وجوب كل من فعلين معينين في الجملة ، ويدور الأمر بين أن يكون الوجوب تعيينيا ليجب الإتيان بهما معا مع التمكن ، أو تخييريا ليجتزي بأحدهما في مقام الامتثال.
اما الصورة الأولى : فقد ذهب جماعة إلى ان المرجع فيها هو أصالة الاشتغال ، والحكم بالتعيين. واستدل عليه بوجوه.
الأول : ما ذكره المحقق النائيني رحمهالله من ان الشك فيها شك في مقام الامتثال بعد العلم بثبوت التكليف (١) ، فإذا دار الأمر في كفارة تعمد الإفطار بين أن تكون خصوص صوم شهرين ، أو الأعم منه ومن إطعام ستين مسكينا ، كان الصوم مفرغا للذمة يقينا ، وأما الإطعام فسقوط التكليف المعلوم به مشكوك ، فلا يجوز الاجتزاء به في حكم العلم.
والتحقيق ان يقال : ان التخيير المحتمل في المقام اما أن يكون تخييرا عقليا ، كما إذا دار الأمر بين وجوب حصة خاصة أو الجامع العرفي بينها وبين سائر الحصص ، نظير ما إذا علم بوجوب شراء شيء في الجملة ، ودار الأمر بين كونه خصوص الغنم أو مطلق الحيوان. واما أن يكون تخييرا شرعيا ، كما إذا كان المحتمل وجوبه مباينا في الماهية مع ما علم وجوبه في الجملة ، ولم يكن بينهما جامع عرفي ، نظير ما تقدم من المثال في كفارة تعمد الإفطار ، وقد سبق في محله ان الوجوب التخييري في هذا القسم لا مناص من تعلقه بالجامع الانتزاعي المعبر عنه بعنوان أحد الشيئين أو
__________________
(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ٤٢٨.