الوجه الرابع : ما ذكره المحقق النائيني أيضا من ان الوجوب التخييري يحتاج إلى مئونة زائدة في مقامي الثبوت والإثبات (١). اما في مقام الثبوت فلاحتياجه إلى ملاحظة العدل ، وتعليق التكليف بالجامع بينه وبين الطرف الآخر. واما في مقام الإثبات فلأنه محتاج إلى ذكر العدل وبيانه ، فما لم يثبت الحجة على المئونة الزائدة يحكم بعدمها ، فيثبت الوجوب التعييني.
وفيه : ان ما ذكر انما يتم فيما إذا ورد دليل لفظي على وجوب شيء من غير ذكر عدل له ، فيتمسك بإطلاقه لإثبات كون الوجوب تعيينيا. واما لو لم يثبت ذلك ، كما هو المفروض ، فلا معنى للرجوع إلى الأصل العملي على ما مر.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أنه لا وجه للقول بالتعيين ، ولا مانع من الرجوع إلى البراءة عن الإلزام بالإتيان بخصوص ما يحتمل كونه واجبا تعيينيا.
ثم لا يخفى ان الحكم بالتخيير انما يتم فيما إذا كان المكلف متمكنا من الإتيان بما يحتمل كونه واجبا تعيينيا ، ليدور أمر الوجوب الفعلي الثابت في الجملة بين التعيين والتخيير. واما فيما لم يتمكن من ذلك فالشك في كون الوجوب المجعول في الشريعة تعيينيا أو تخييريا يستلزم الشك في الإلزام الفعلي بما يحتمل كونه عدلا ، ولا يحكم حينئذ بالتخيير ليترتب عليه الإلزام المزبور ، بل يرجع إلى البراءة عنه ، لأنه مجهول ، والعقاب على مخالفته على تقدير ثبوته عقاب بلا بيان.
اما الصورة الثانية : فقد عرفت فيما تقدم انه لا ثمرة فيها للشك في كون الوجوب تعيينيا أو تخييريا إلّا فيما إذا تعذر ما علم وجوبه في الجملة ، فانه على تقدير كون الوجوب تخييريا يتعين الطرف الآخر المعلوم كونه مسقطا للواجب ، وليس كذلك على تقدير كون الوجوب تعيينيا واشتراطه بعدم ما علم سقوطه به ، وعليه
__________________
(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ٤٢٧ ـ ٤٢٨.