عرفت في محله من ان الشك في الحجية في مقام الجعل مساوق للقطع بعدم الحجية الفعلية ، فكلما شك في حجيته لشبهة حكمية أو موضوعية لا يصح الاعتماد عليه في مقام العمل ، كما لا يصح اسناد مؤداه إلى المولى ولو ظاهرا.
واما القسم الثالث : وهو ما إذا دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال لأجل التزاحم ، فالحق فيه هو الحكم بالتعيين. وتوضيح ذلك يبتني على تقديم مقدمتين.
الأولى : ان التزاحم في مقام الامتثال وان أوجب سقوط أحد التكليفين بامتثال الآخر لا محالة ، لاستحالة بقائهما على إطلاقهما ، إلّا أنه لا يوجب سقوط الملاكين عما هما عليه من حد الإلزام ، إذ المفروض ان عجز المكلف هو الّذي أوجب التزاحم ورفع اليد عن أحد الخطابين في ظرف امتثال الآخر ، وإلّا كان الواجب امتثالهما معا وعدم جواز الاكتفاء بأحدهما عن الآخر.
الثانية : قد ذكرنا في محله انّ تفويت الغرض الملزم بعد إحرازه بمنزلة مخالفة التكليف الواصل في حكم العقل بقبحه ، ولا يرتفع هذا القبح إلّا بعجز المكلف تكوينا ، أو بتعجيز المولى إياه بامره بما لا يجتمع معه في الخارج ، وما لم يتحقق شيء من الأمرين يحكم العقل بقبح التفويت واستحقاق العقاب عليه.
إذا عرفت ذلك نقول : إذا كان أحد الواجبين المتزاحمين معلوم الأهمية ، فلا محالة يكون التكليف الفعلي متعلقا به ، وصارفا لقدرة المكلف نحوه ، والملاك في الطرف الآخر وان كان ملزما في نفسه إلّا ان تفويته مستند إلى تعجيز المولى ، لأمره بصرف القدرة إلى ما يضاده ، فإذا أتى المكلف بالواجب الأهم كان معذورا في تفويت الملاك الآخر بالضرورة. نعم لو عصى هذا التكليف لم يكن مانع عن التكليف بالمهم ، بناء على ما قررناه في محله من إمكان التكليف بالضدين على نحو الترتب.