الغالب في موارد احتمال الابتلاء وجود العلم الإجمالي بابتلاء المكلف فيما بقي من عمره بما لا يعلم حكمه وخصوصياته ، فالاستصحاب في كل محتمل يعارض جريانه في غيره. وما ذكرناه لا يبتني على تنجيز العلم الإجمالي في الأمور التدريجية ، فان الابتلاء بالوقائع وان كان تدريجيا إلّا أن أثره وهو وجوب التعلم أمر فعلي لا تدرج فيه. فتحصل بما ذكرنا أنه لا فرق في وجوب التعلم بين موارد إحراز الابتلاء فيما بعد وبين احتماله.
الأمر الرابع : قد ظهر مما تقدم أن الشاك في التكليف لو ترك الفحص ، واقتحم في الشبهة ، وصادف ارتكاب الحرام أو ترك الواجب ، يستحق العقاب على مخالفته بعد ثبوت وجوب الفحص طريقيا وتنجز الواقع به. وهذا فيما إذا كان الواقع بحيث لو تفحص المكلف لظفر به في غاية الوضوح.
واما فيما إذا لم يكن كذلك ، بل كان الواقع على نحو لا يصل المكلف إليه بعد الفحص أيضا ، ففي استحقاق العقاب بمخالفة الواقع حينئذ وعدمه إشكال. وقد اختار المحقق النائيني رحمهالله ثبوت الاستحقاق (١) بتقريب : أن مخالفة الواقع ما لم تكن مقرونة بالمؤمن شرعا أو عقلا موجبة لاستحقاق العقاب ، والمقام كذلك ، فان أدلة البراءة الشرعية قد خصصت بما بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل ، وقاعدة قبح العقاب بلا بيان لا مجال لجريانها قبل قيام المكلف بما هو وظيفة العبودية من الفحص عن أحكام المولى ، بل الأمر كذلك فيما لو تفحص لظفر بدليل يدل على عدم ثبوت الحكم في الواقع ، فان الدليل المزبور لا يكون معذرا للمكلف في مخالفة الواقع إلّا مع الاستناد إليه في مقام العمل.
ومع عدم الاستناد إليه ، بل عدم العلم بوجوده كما هو المفروض تكون المخالفة
__________________
(١) أجود التقريرات : ٢ ـ ٣٣٣.