ويرد على ما أفاده أن ذلك وان لم يكن من الفحص ، لأنه مرادف للتجسس عن الشيء ، ومجرد النّظر وفتح العين من دون إعمال مقدمة أخرى لا يعد من الفحص عرفا ، إلّا أن الفحص بعنوانه لم يؤخذ في لسان دليل ليكون الاعتبار بصدقة ، بل المأخوذ في أدلة البراءة انما هو الجاهل وغير العالم ، ولا شك في أن المكلف في المثال جاهل بطلوع الفجر ، فما هو الموجب للنظر ليكون مقيدا لإطلاق الأدلة الدالة على البراءة أو الاستصحاب. فالصحيح أن الإطلاقات المزبورة محكمة.
الأمر السادس : ذكر الفاضل التوني قدسسره للرجوع إلى البراءة شرطين آخرين (١).
أحدهما : أن لا يكون جريانها موجبا للضرر على مسلم آخر.
ثانيهما : أن لا يكون مستلزما لثبوت حكم إلزاميّ من جهة أخرى.
أما الشرط الأول : فقد أورد عليه غير واحد بأن البراءة وان لم تكن جارية في موارد جريان قاعدة لا ضرر ، إلّا أنه لا ينبغي عده من شرائط جريانها ، فان القاعدة المزبورة تتقدم على أقوى الأمارات فكيف بالأصول العملية ، ولا سيما أصل البراءة الّذي هو في مرتبة متأخرة عن الاستصحاب. واما فيما لم يكن المورد موردا للقاعدة فلا ينبغي الشك في جريان البراءة فيه كغيره من الأصول العلمية والأدلة الاجتهادية.
ولكن الظاهر أن كلام الفاضل المزبور أجنبي عن ذلك ، بل هو ناظر إلى ما ذكرناه في أول مبحث البراءة من أن حديث الرفع وارد في مقام الامتنان والإرفاق ، فلا بد في جريانه أن لا يكون فيه مخالفة الامتنان ولو على بعض الأمة ، فلو لزم من جريانه تضرر مسلم أو من بحكمه لا يحكم به ، ولا يشمله الحديث. ومن
__________________
(١) الوافية : ١٩٣.