كان الضرر ناشئا من نفس الحكم دون متعلقه كما في المثال.
الرابع : أن يكون مدلول الجملتين نفي الضرر غير المتدارك ، ولازمه ثبوت التدارك في موارد الضرر بالأمر به في الشريعة المقدسة. ولا يخفى بعد هذا الوجه ، إذ لا موجب لتقييد الضرر بغير المتدارك إلّا ما يتوهم من أن الضرر المتدارك لا يكون ضررا حقيقة ، فالمنفي حينئذ ينحصر بغير المتدارك ، فانه الضرر حقيقة. ولكنه يرد عليه.
أولا : أن التدارك الموجب لانتفاء الضرر لو سلم يختص بالتدارك الخارجي التكويني ، فمن خسر مالا خسارة متداركة يصح أن يقال ولو بالمسامحة أنه لم يخسر ، وأما حكم الشارع بوجوب التدارك فلا يوجب ارتفاع الضرر خارجا ، فالمسروق ماله متضرر وجدانا مع حكم الشارع بوجوب رده عليه.
وثانيا : أن كل ضرر في الخارج ليس مما حكم الشارع بتداركه تكليفا أو وضعا ، فلو تضرر تاجر باستيراد تاجر آخر أموالا كثيرة لم يجب تداركه لا تكليفا ولا وضعا ، والالتزام بوجوب التدارك في أمثاله يستلزم تأسيس فقه جديد. نعم لو كان الإضرار بإتلاف المال وجب تداركه ، لا بدليل لا ضرر ، بل بدليل آخر كما هو ظاهر. وبذلك ظهر بطلان هذا الوجه ، فالأمر يدور بين الاحتمالات الثلاثة.
إذا عرفت ذلك فنقول : ان الظاهر من الجملتين هو الاحتمال الثالث الّذي اختاره الشيخ قدسسره ، وبيانه يبتني على استقصاء موارد استعمالات الجمل المنفية بكلمة (لا) النافية للجنس في مقام التشريع ، وهي على أقسام.
فمنها : ما يكون الجملة فيه مستعملة في مقام الاخبار عن عدم تحقق المدخول في الخارج كناية عن مبغوضيته وحرمته ، كما يخبر عن ثبوت الشيء في الخارج كناية عن محبوبيته ووجوبه ، وقد مر جملة من أمثلة ذلك فيما تقدم.
ومنها : ما تكون مستعملة اخبارا عن عدم انطباق الطبيعة على المتخصص