وكيف كان فقد أفاد المحقق النائيني رحمهالله تقديم الإتيان بالمظنون على الإتيان بالمحتمل (١) جريا على مبناه من كون مراتب الامتثال طولية.
ولكنك خبير بأن الطولية أجنبية عن المقام ، لأن الإتيان بالمحتمل يكون بداعي احتمال البعث والتحريك سواء قدم أو أخر ، والإتيان بالمظنون يكون بداعي الأمر الجزمي الثابت باليقين التعبدي على التقديرين ، فلا فرق بين التقديم والتأخير أصلا.
وأما الظن الانسدادي فظاهر كلام الشيخ قدسسره أنه متأخر عن الامتثال الإجمالي (٢) حتى أنه تعجب ممن يعمل بالطرق والأمارات من باب الظن المطلق ثم يذهب إلى تقديم الامتثال الظني على الإجمالي ، وسيظهر أن تعجبه في غير محله.
والتحقيق : أنه لو جعل من مقدمات الانسداد بطلان الاحتياط وكونه غير مرضي للشارع ، أما بدعوى الإجماع على ذلك أو من جهة منافاة الاحتياط لاعتبار قصد الوجه في العبادة ، فلا محالة يستكشف من ذلك إنا أن الشارع قد جعل لنا حجة في تعيين أحكامه ، وإلّا لزم التكليف بما لا يطاق ، ثم أن العقل بالسبر والتقسيم يعين لنا تلك الحجة الشرعية في الظن ، وعليه يكون الظن معتبرا شرعا ، ولا فرق حينئذ بين الظن المطلق والظن الخاصّ إلّا من حيث الكاشف ودليل الحجية ، فلا تكون حجية الظن متوقفة على عدم وجوب الاحتياط ، أو على عدم إمكان ليقال كيف يعقل أن يكون الاحتياط في طول الامتثال الظني مع توقف حجيته على عدم وجوب الاحتياط ، فلا مناص للقائل بتأخر الامتثال الإجمالي عن التفصيليّ من الالتزام به في الظن الانسدادي أيضا.
__________________
(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ٧٢.
(٢) فرائد الأصول : ١ ـ ٧١ ـ ٧٢ (ط. جامعة المدرسين).