بالدفاع لما كان هذا العذر منه مقبولا عند العقلاء. والمتحصل انه قد علم بهذا البيان انّ الحكم التكليفي ليس من مقولة المنشئات بل ان الانشاء متأخر عن الحكم ولا مانع من الأمر النفسي الموجود في مرحلة التعلق فالتعلق باق وهو منشأ لصحة العمل ولا خلل في ناحية الامتثال نعم لو كان خلل كذلك لم يكن العمل صحيحا مثل صوم المريض والمسافر.
وإن شئت تفصيل هذا فنقول : إنّ المفاهيم على ثلاثة أقسام : قسم يتمخض في القضية الخبرية فلا يحصل المؤدى فيه إلّا بالإخبار وقسم لا يحصل مؤداه إلّا بالانشاء كالعقود والايقاعات وقسم يحصل بكل من الأخبار والانشاء كما يقول الطبيب للمريض الدواء الفلاني نافع والطعام الفلاني ضار وقد يقول له اشرب ذلك الدواء ولا تأكل ذاك الطعام فمؤدى الأمرين واحد ولا يخفى أن الانشاء في القسم الأخير طريق ولا موضوعية له.
وأما الأوامر والنواهي فهل هي من قبيل القسم الثاني أو من الثالث؟ من البديهي ان الموضوعية والطريقية تستكشف من ترتب الآثار فالأوامر الصادرة من الطبيب انّما هو لبيان الضرر والنفع ليس إلّا فهو لا ولاية له على المريض حتى يجعل حكما عليه اذ الحكم المولوي يتبع الولاية من الحاكم وهذا هو معنى العلو والاستعلاء في الأمر فإنّ الآمر قد يأمر بأمر بما أنّه له الولاية وقد يأمر لا بهذا العنوان كقوله صلىاللهعليهوآله لبريرة : ارجعي الى زوجك. وهي فهمت ذلك حيث قالت أتأمرني؟ قال : لا بل أنا شافع فانشاء الطبيب طريق لا موضوع وأما العقود والايقاعات فلا تتحقق إلّا بالانشاء فلا بد للمنشئ من سلطنة وإلّا فلا بد وان ينتهي الى من له ذلك كالفضولي حيث أنه لا بد من انتهاء بيعه الى الأصيل ـ وأما الطلب المولوي فلا يكون فرع البعث أو الزجر الخارجي فيثبت حتى بالخبر بل قد يتحقق بدون الطلب النفسي كما مرّ من المثال.