والصّنف الأول خواصّ الفقراء ، والثّانى فقراء المسلمين خاصّهم وعامّهم ، والثالث الفقر العامّ لأهل الأرض كلّهم غنيّهم وفقيرهم ، مؤمنهم وكافرهم. والرابع الفقر إلى الله المشار إليه بقوله : «اللهم أغننى بالافتقار إليك». وبهذا ألمّ الشاعر :
ويعجبنى فقرى إليك ولم يكن |
|
ليعجبنى لو لا محبّتك الفقر |
والفقراء الموصوفون فى الآية الأولى يقابلهم أصحاب الجدة (١) ، ومن ليس محصرا فى سبيل الله ، ومن لا يكتم فقرا وضعفا. فمقابلهم أكثر من مقابل الصّنف الثانى. والصّنف الثانى يقابل أصحاب الجدة ، ويدخل فيهم المتعفّف وغيره ، والمحصر وغيره. والصّنف الثالث لا مقابل لهم ، بل الله وحده الغنىّ وكلّ ما سواه فقير إليه.
ومراد المشايخ بالفقر شىء أخصّ من هذه كلّها (٢) وهو الافتقار إلى الله فى كلّ حالة. وهذا المعنى أجلّ من أن يسمّى فقرا ، بل هو حقيقة العبوديّة ولبّها ، وعزل النفس عن مزاحمة الرّبوبيّة.
وسئل عنه يحيى بن معاذ الرازىّ فقال : حقيقته ألّا يستغنى إلّا بالله ، ورسمه / عدم الأسباب كلّها. وقال بعض المشايخ : الفقر سرّ لا يضعه الله إلّا عند من يحبّه ، ويسوقه إلى من يريد (٣). وقال : رويم : إرسال النّفس فى أحكام الله. وسئل أبو حفص بم يقدم الفقير على ربّه؟ فقال : ما للفقير أن (٤) يقدم به على ربّه سوى فقره. وسئل بعضهم : متى يستحق
__________________
(١) الجدة : الغنى.
(٢) فى الأصلين : «كله»
(٣) ورد هذا الخبر فى الرسالة ١٦٠ فى صورة أخرى. وهى : «قام فقير فى مجلس يطلب شيئا وقال : إنى جائع منذ ثلاث ، وكان هناك بعض المشايخ ، فصاح عليه وقال : كذبت ، إن الفقر سر الله ، وهو لا بضع سره عند من يحمله إلى من يريد»
(٤) كذا فى الرسالة ١٦١. والأولى : «ما».