الفقير اسم الفقر؟ قال إذا لمّ [يبق](١) عليه منه بقيّة. فقيل له : وكيف ذاك؟ فقال : إذا كان له فليس له ، وإذا لم يكن له فهو له. وهذه من أحسن العبارات عن معنى الفقر الذى يشير إليه القوم ، وهو أن يصير كلّه لله لا يبقى عليه بقيّة من نفسه وحظّه وهواه ، فمن بقى عليه شىء من أحكام نفسه ففقره مدخول. ثم فسّر ذلك أى قوله : إذا كان له فليس له ، أى إذا كان لنفسه فليس لله ، وإذا لم يكن لنفسه فهو لله. فحقيقة الفقر إذا ألّا تكون لنفسك ولا يكون لها منك شىء بحيث تكون كلّك لله. وهذا الفقر الذى يشيرون إليه لا ينافيه الجدة ولا الأملاك ، فقد كان رسل الله وأنبياؤه ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ فى ذروة الفقر مع جدتهم وملكهم ، كإبراهيم الخليل عليهالسلام كان أبا الضّيفان ، وكانت له الأموال والمواشى ، وكذلك كان سليمان وداود ، وكذلك كان نبيّنا صلىاللهعليهوسلم كما قال تعالى : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى)(٢) ، وكانوا أغنياء فى فقرهم ، فقراء فى غناهم.
فالفقر الحقيقىّ : دوام الافتقار إلى الله تعالى فى كلّ حال ، وأن يشهد العبد فى كلّ ذرّة من ذرّاته الظّاهرة والباطنة فاقة نامية إلى الله تعالى من كلّ وجه. فالفقر ذاتىّ للعبد ، وإنما يتجدّد له بشهوده حالا ، وإلّا فهو حقيقته ؛ كما قال بعض المشايخ :
الفقر لى وصف ذات لازم أبدا |
|
كما الغنى أبدا وصف له ذاتى |
وله آثار وعلامات وموجبات ، أكثر إشارات القوم إليها ، كقول بعضهم الفقير لا يسبق همّته ، أى ابن وقته ، فهمّته مقصورة على وقته لا يتعدّاه. وقيل : أركان الفقر أربعة : علم يسوسه ، وورع يحجزه ، ويقين يحمله ،
__________________
(١) زيادة من الرسالة ١٦٢
(٢) الآية ٨ سورة الضحى