وذكر يؤنسه. وقال الشّبلىّ : حقيقة الفقر ألّا يستغنى بشيء دون الله. وسئل سهل : متى يستريح الفقير؟ فقال : إذا لم ير لنفسه غير الوقت الّذى هو فيه. وقال أبو حفص : أحسن ما يتوسّل به العبد إلى الله دوام الافتقار إليه على جميع الأحوال ، وملازمة السنّة فى جميع الأفعال ، وطلب القوت من وجه حلال. وقيل : من حكم الفقير ألّا يكون له رغبة ، فإن كان ولا بدّ فلا يجاوز رغبته كفايته. وقيل : الفقير من لا يملك ولا يملك (١). وأتمّ من هذا : لا يملك ولا يملكه مالك. وقيل : من أراد الفقر لشرفه مات فقيرا ، ومن أراده لئلا يشتغل عن الله بغيره مات غنيّا.
والفقر له بداية ونهاية ، فبدايته الذلّ ونهايته العزّ ، وظاهره العدم وباطنه الغنى ، كما قال رجل لآخر ، [الفقر (٢)] فقر وذلّ ، فقال ، لا : بل فقر وعزّ. فقال : فقر وثرى. فقال : لا ، بل فقر وعرش. وكلاهما مصيب.
واتّفقت كلمة القوم على أن دوام الافتقار إلى الله مع تخليط خير من دوام الصّفاء مع رؤية النّفس والعجب ، مع أنه لا صفاء معهما.
وإذا عرفت معنى الفقر عرفت عين الغنى بالله تعالى / فلا معنى لسؤال من سأل : أىّ الحالين أكمل؟ الافتقار إلى الله أم الاستغناء به؟ هذه مسألة غير صحيحة ، فإنّ الاستغناء به هو عين الافتقار إليه.
وأمّا مسألة الفقير الصّابر ، والغنىّ الشاكر ، وترجيح أحدهما ، فعند المحقّقين أن التفضيل لا يرجع إلى ذات الفقر والغنى ، وإنما يرجع إلى الأعمال والأحوال والحقائق. فالمسألة فاسدة فى نفسها ، وإنّ التفضيل
__________________
(١) فى الرسالة ١٦٤ : «يميل» وفى الشرح فى الهامش : «ولا يميل لشىء من المشتهيات ، فلا يصير رقيقا لشىء من المخلوقات» وهذه العبارة تؤول لما هنا
(٢) زيادة من الرسالة