وقد يكنى بالقبض عن الموت فيقال : قبضه اللّه. [وقوله (١) تعالى : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) (٢) إشارة إلى نسخ ظل الشمس]. أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنه بسط الظلّ ومدّه وجعله متحرّكا تبعا لحركة الشمس ، ولو شاء لجعله ساكنا لا يتحرّك ، إمّا بسكون المظهر له والدّليل عليه ، وإمّا بسبب آخر. ثم أخبر أنه قبضه بعد بسطه قبضا يسيرا ، وهو (٣) شيء بعد شيء ، لم يقبضه جملة. فهذا من أعظم آياته الدالّة على كمال قدرته وحكمته. فندب سبحانه إلى رؤية صنعه وقدرته وحكمته في هذا الفرد من مخلوقاته ، ولو شاء لجعله لاصقا بأصل ما هو ظلّ له من جبل وبناء وحجر وغيره فلم ينتفع به أحد ، فإن كمال الانتفاع به تابع لمدّه وبسطه وتحوّله من مكان إلى مكان. وفي مدّه وبسطه ثمّ قبضه شيئا فشيئا من المصالح والمنافع ما لا يخفى ولا يحصى ، فلو كان ساكنا دائما أو قبض دفعة واحدة لتعطّلت مرافق العالم ومصالحه. وفي دلالة الشمس على الظّلال ما تعرف به أوقات الصّلوات ، وما مضى من اليوم وما بقي منه ، وفي تحرّكه وانتقاله ما (٤) يبرد ما أصابه حرّ الشمس ، وينتفع الحيوان والشجر والنّبات. فهو من آيات اللّه الدّالّة عليه.
وفي الآية وجه آخر. وهو أنه سبحانه مدّ الظل حين بنا السّماء كالقبّة المضروبة ، ودحا الأرض عنها ، فألقت القبّة ظلها عليها ، فلو شاء سبحانه لجعله ساكنا مستقرا في تلك الحال ، ثم خلق الجبال ونصبها دليلا على ذلك
__________________
(١) ما بين القوسين في الأصلين كتب بعد (حيث لا تملك لأحد) وهو قطع لما يجب وصله من الكلام ، ولذلك وضعته في موضعه اللائق به
(٢) الآية ٤٦ سورة الفرقان
(٣) في الأصلين : «هو»
(٤) في الأصلين : «بما»