الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)(١) ، قيل معناه : وهبها الله لكم ، ثمّ حرّمها عليكم بامتناعكم من دخولها وقبولها ، وقيل : كتب لكم بشرط أن تدخلوها وقرئ : (عليكم) أى أوجبها عليكم. وإنما قال (لَكُمْ) تنبيها أنّ دخولهم إيّاها يعود عليهم بنفع عاجل وآجل ؛ فيكون ذلك لهم لا عليهم ، و (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ)(٢) أى فى علمه وحكمه ، وقوله : (اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ)(٣) ، أى فى حكمه.
ويعبّر بالكتاب عن الحجّة الثابتة من جهة الله ، نحو قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ)(٤) ، وقوله : (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ)(٥) إشارة إلى العلم والتحقيق والاعتقاد. وقوله : (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)(٦) إشارة فى تحرّى النّكاح إلى لطيفة ، وهى أنّ الله تعالى جعل لنا شهوة النكاح ليتحرّى به طلب النّسل الذى يكون سببا لبقاء نوع الإنسان إلى غاية قدّرها ، فيجب للإنسان أن يتحرّى بالنكاح ما جعل الله على حسب مقتضى العقل والدّيانة ، ومن تحرّى بالنكاح حفظ النسل وحظّ النفس على الوجه المشروع فقد انتهى إلى ما كتب الله له ، وإلى هذا أشار من قال : عنى ب (ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) الولد.
ويعبّر بالكتابة عن الإيجاد ، وعن الإزالة والإفناء بالمحو ، قال تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ)(٧) نبّه أن لكلّ وقت إيجادا ، فهو يوجد ما تقتضى الحكمة إيجاده ، ويزيل ما تقتضى الحكمة إزالته. ودلّ قوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) على نحو ما دلّ عليه قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)(٨).
__________________
(١) الآية ٢١ سورة المائدة
(٢) الآية ٥٦ سورة الروم
(٣) الآية ٣٦ سورة التوبة
(٤) الآية ٨ سورة الحج
(٥) الآية ٤٧ سورة القلم
(٦) الآية ١٨٧ سورة البقرة
(٧) الآيتان ٣٨ ، ٣٩ سورة الرعد
(٨) الآية ٢٩ سورة الرحمن