وقوله : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ)(١) ، فالكتاب الأول كتبوه بأيديهم المذكور بقوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ)(٢) ، والثانى التوراة ، والثالث لجنس كتب الله تعالى كلّها ، أى ما هو من (٣) شىء من كتب الله تعالى وكلامه.
وقوله : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ)(٤) ، قيل : هما عبارتان عن التوراة سمّيت كتابا باعتبار ما ثبت فيها من الأحكام ، وفرقانا باعتبار ما فيها من الفرق بين الحقّ والباطل. وقوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ)(٥) تنبيه أنّهم يختلقونه ويفتعلونه. وقوله : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٦) أراد بالكتاب هاهنا ما تقدّم من كتب الله دون القرآن ؛ ألا ترى أنه جعل القرآن مصدّقا له. وقوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً)(٧) ، منهم من قال : هو القرآن ، ومنهم من قال : هو وغيره من الحجج والعلم والعقل. وقوله : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ)(٨) ، قيل : أريد علم بالكتاب ، [وقيل](٩) علم من العلوم الّتى آتاها الله سليمان فى كتابه المخصوص به ، وبه سخّر له كلّ شىء. وقوله : (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ)(١٠) أى بالكتب المنزلة ، فوضع المفرد موضع الجمع ، إمّا لكونه جنسا ، كقولك : كثر الدرهم بأيدى الناس ، وإمّا لكونه فى الأصل مصدرا. والله أعلم.
__________________
(١) الآية ٧٨ سورة آل عمران
(٢) الآية ٧٩ سورة البقرة
(٣) فى الأصلين : «فى» وما أثبت من الراغب
(٤) الآية ٥٣ سورة البقرة
(٥) الآية ٧٩ سورة البقرة
(٦) الآية ٣٧ سورة يونس
(٧) الآية ١١٤ سورة الأنعام
(٨) الآية ٤٠ سورة النمل
(٩) زيادة من الراغب
(١٠) الآية ١١٩ سورة آل عمران