صفات الكمال ، ونعوت الجلال ، وأحسّت روحه بالقرب الخاصّ الذى ليس كالقرب المحسوس ، حتى يشاهد رفع الحجاب بين روحه وقلبه ـ فإنّ حجابه هو نفسه ، وقد رفع الله عنه سبحانه ذلك الحجاب بحوله وقوته ـ أفضى القلب والروح حينئذ إلى الرّب ، فصار بعنده كأنّه يراه. فإذا تحقّق بذلك ، وارتفع عنه حجاب النفس ، وانقشع عنه ضياؤها ودخانها ، وكشطت عنه سحبها وغيومها ، فهنالك يقال له :
بدا لك سرّ طال عنك اكتتامه |
|
ولاح صباح كنت أنت ظلامه |
فأنت حجاب القلب عن سرّ غيبه |
|
ولولاك لم يطبع عليك ختامه (١) |
فإن غبت عنه حلّ فيه وطنّبت |
|
على منكب الكشف المصون خيامه |
وجاء حديث لا يملّ حديثه |
|
وينهى إلينا نثره ونظامه |
إذا ذكرته النفس زال عناؤها |
|
وزال عن القلب الكئيب قتامه (٢) |
والمكاشفة الصحيحة المستديمة عبارة عن علوم يحدثها الرب ـ تعالى ـ فى قلب العبد ، ويطلعه بها على أمور تخفى على غيره. وقد يواليها / سبحانه وتعالى ، وقد يمسكها عنه بالغفلة عنها ، ويواريها عنه بالغين الّذى يغشى على قلبه ، وهو أرقّ الحجب ، أو بالغيم وهو أغلظ منه ، أو بالران وهو أشدّها. فالأوّل يقع للأنبياء ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «إنّه ليغان على قلبى ، وإنّى لأستغفر الله أكثر من سبعين مرّة (٣)». والثانى يكون للمؤمنين. والثالث لمن غلبت عليه الشهوة. قال الله تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ
__________________
(١) طنب : أقام
(٢) القتام : الغبار الأسود. والمراد الحزن والهم
(٣) أخرجه مسلم وأبو داود ، كما فى تيسير الوصول