فهذه الأماكن وأمثالها صريحة فى أنها للامتناع ، لأنها عقّبت بحرف الاستدراك داخلا على فعل الشرط منفيّا لفظا أو معنى ، فهى بمنزلة : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(١). فإذا كانت دالّة على الامتناع ويصحّ تعقيبها بحرف الاستدراك دلّ على أن ذلك عامّ فى جميع مواردها ، وإلّا يلزم الاشتراك ، وعدم صحّة تعقيبها بالاستدراك. وذلك ظاهر كلام سيبويه ، فلم يخرج عنه.
وأمّا قول من قال : إنه ينتقض كونه للامتناع بقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ)(٢) الآية ، وبالأثر العمرىّ (٣) : لو لم يخف ، وبقول النبى صلىاللهعليهوسلم : «لو لم تكن ربيبتى فى حجرى لما حلّت لى» فإنه يمكن ردّ جميع ذلك إلى الامتناع. وإيضاح ذلك بأن تقول : إذا قلنا : امتنع طلوع الشمس لوجود الليل فليس معناه انتفاء طلوع الشمس رأسا بل انتفاؤه لوجود الليل. وفرق بين انتفائه لذلك وانتفائه المطلق ، فإن الأوّل أخصّ من الثانى. ولا يلزم من ارتفاع الخاص ارتفاع العام. فاذا قلنا : لو حرف امتناع لامتناع كان المعنىّ به أن التالى يمتنع امتناعا مضافا إلى امتناع المقدّم. وليس المعنىّ به أنه يمتنع مطلقا. وإذا قلت فيمن قيل لك انتقض وضوءه لأنه مسّ ذكره : لم ينتقض لأنه مسّ ، فإنه لم يمسّ ، ولكن لناقض آخر غير المسّ ، صحّ ؛ ولذلك لك أن تقول : لم ينتقض لأنه لم يمسّ. كلّ هذا كلام صحيح ، وإن كان وضوءه منتقضا عندك بناقض آخر ؛ فإن حاصل كلامك أن الانتقاض
__________________
(١) الآية ١٧ سورة الأنفال.
(٢) الآية ٢٧ سورة لقمان.
(٣) أى المروى عن عمر رضى الله عنه.