مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) ، وقوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ)(١) وقد تقدّمت الآيتان.
وإنّ (٢) الطائفة المتصوّفة ـ نفع الله بهم ـ يرجّحون المعرفة على العلم ، وكثير منهم لا يرفع (٣) بالعلم رأسا ، ويراه (٤) قاطعا وحجابا دون المعرفة ، وأهل الاستقامة منهم أشدّ الناس وصيّة للمريدين بالعلم. وعندهم أنه لا يكون ولىّ لله كامل الولاية من غير أولى / العلم أبدا ، فما اتّخذ الله ولا يتّخذ وليّا جاهلا. فالجهل رأس كلّ بدعة وضلال ونقص ، والعلم أصل كلّ خير وهدى.
والفرق بين المعرفة والعلم من وجوه لفظا ومعنى :
أمّا اللفظ : ففعل المعرفة يقع على مفعول واحد ، تقول : عرفت الدّيار وعرفت زيدا ، قال تعالى : (فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)(٥) ، وقال : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ)(٦). وفعل العلم يقتضى مفعولين ، كقوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ)(٧) ، وإذا وقع على مفعول كان بمعنى المعرفة كقوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ)(٨).
وأمّا الفرق من جهة المعنى فمن وجوه :
أحدها : أنّ المعرفة تتعلّق بذات الشىء والعلم يتعلّق بأحواله ، فتقول : عرفت أباك وعلمته صالحا ، ولذلك جاء الأمر فى القرآن بالعلم دون المعرفة
__________________
(١) الآية ١٤٦ سورة البقرة ، والآية ٢٠ سورة الأنعام
(٢) فى الأصلين : «اى»
(٣) أى لا يهتم به. وفى الأساس : «دخلت عليه فلم يرفع لى رأسا»
(٤) فى الأصلين : «يرده»
(٥) الآية ٥٨ سورة يوسف
(٦) الآية ١٤٦ سورة البقرة ، والآية ٢٠ سورة الأنعام
(٧) الآية ١٠ سورة الممتحنة
(٨) الآية ٦٠ سورة الأنفال