كقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ)(١) ، وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٢) ، (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ)(٣). فالمعرفة : تصوّر صورة الشىء ومثاله العلمىّ فى النّفس ، والعلم : حضور أحواله وصفاته ونسبتها إليه. فالمعرفة : نسبة التصوّر ، والعلم : نسبة التصديق.
الثانى : أنّ المعرفة فى الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه ، فإذا أدركه قيل : عرفه ، أو تكون لما وصف له بصفات قامت فى نفسه فإذا رآه وعلم أنّه الموصوف بها قيل : عرفه ، قال تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ)(٤) ، وقال : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)(٥) ، وفى الحديث : «إنّ الله سبحانه يقول لآخر أهل الجنّة دخولا : أتعرف الزمان الذى كنت فيه فيقول : نعم. فيقول : تمنّ. فيتمنّى على ربّه». وقال تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)(٦). فالمعرفة نسبة الذكر النفسىّ وهو حضور ما كان غائبا عن الذاكر ، ولهذا كان ضدّها الإنكار وضدّ العلم الجهل ، قال تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها)(٧) ويقال : عرف الحقّ فأقرّ به ، وعرفه فأنكره.
الوجه الثالث : أنّ المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره ، والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره. وهذا الفرق غير الأوّل ، فإنّ ذلك يرجع إلى
__________________
(١) الآية ١٩ سورة محمد
(٢) الآية ١٩٦ سورة البقرة ، والآية ٢٥ سورة الأنفال
(٣) الآية ١٤ سورة هود
(٤) الآية ٤٥ سورة يونس
(٥) الآية ٥٨ سورة يوسف
(٦) الآية ٨٩ سورة البقرة
(٧) الآية ٨٣ سورة النحل.