وبليّاته ، ثمّ دعا [إلى](١) الله على بصيرة بدينه وإيمانه ، ثم جرّد الدّعوة إليه وحده بما جاء به رسوله صلىاللهعليهوسلم ولم يشبها بآراء الرّجال وأذواقهم وجيدهم ومقاييسهم ومعقولاتهم ، ولم يزن بها ما جاء به الرّسول صلىاللهعليهوسلم ، فهذا الذى يستحقّ اسم العارف على الحقيقة ، وإذا سمّى به غيره فعلى الدّعوى والاستعارة.
وقد تكلّموا فى المعرفة بآثارها وشواهدها ، فقال بعضهم : من أمارات المعرفة بالله حصول الهيبة ، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته. وقال أيضا : المعرفة توجب السكينة. وقيل : علامتها أن يحس بقرب قلبه من الله فيجده قريبا منه. وقال الشّبلى : ليس لعارف علاقة ، ولا لمحبّ شكوى ، ولا لعبد دعوى ، ولا لخائف قرار ، ولا لأحد من الله فرار. وهذا كلام جيّد ، فإن المعرفة الصّحيحة تقطع من القلب العلائق كلّها ، وتعلّقه بمعروفه فلا يبقى فيه علاقة لغيره ، ولا يمرّ به العلائق إلّا وهى مجتازة. وقال أحمد بن عاصم : من كان بالله أعرف كان من الله أخوف. ويدلّ على هذا قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٢) ، وقول النّبى صلىاللهعليهوسلم : «أنا أعرفكم بالله وأشدّكم له خشية». وقال آخر : من عرف الله ضاقت عليه الأرض بسعتها ؛ وقال غيره : من عرف الله اتّسع عليه كلّ ضيق. ولا تنافى بين هذين الكلامين فإنّه يضيق عليه كلّ مكان لاتّساعه فيه على شأنه ومطلوبه ، ويتّسع له ما ضاق على غيره لأنّه ليس فيه ولا هو مساكن له بقلبه ، فقلبه غير محبوس فيه. والأوّل فى بداية المعرفة والثانى فى غايتها التى يصل إليها العبد. وقال : من عرف الله
__________________
(١) زيادة اقتضاها السياق
(٢) الآية ٢٨ سورة فاطر