تعالى صفا له العيش ، وطابت له الحياة ، وهابه كلّ شىء ، وذهب عنه خوف المخلوقين ، وأنس بالله. وقال غيره : من عرف الله قرّت عينه بالله وقرّت به كلّ عين ، ومن لم يعرف الله تقطّع قلبه على الدّنيا حسرات ، ومن عرف الله لم يبق له رغبة فيما سواه.
وعلامة العارف أن يكون قلبه مرآة إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الذى دعا إلى الإيمان به ، فعلى قدر جلاء تلك المرآة يتراءى فيها سبحانه والدّار الآخرة والجنّة والنار والملائكة والرّسل ، كما قيل :
إذا سكن الغدير على صفاء |
|
فيشبه أن يحرّكه النسيم |
بدت فيه السماء بلا مراء |
|
كذاك الشمس تبدو والنجوم |
كذاك قلوب أرباب التجلّى |
|
يرى فى صفوها الله العظيم |
ومن علامات المعرفة أن يبدو لك الشاهد وتفنى الشّواهد ، وتنجلى العلائق وتنقطع العوائق ، وتجلس بين يدى الرّب ، وتقوم وتضطجع على التأهب للقائه كما يجلس الذى قد شدّ أحماله وأزمع السفر على تأهب له ويقوم على ذلك ويضطجع عليه.
ومن علامات العارف أنه لا يطالب ولا يخاصم ولا يعاقب ولا يرى له على أحد حقّا ، ولا (١) يأسف على فائت ولا يفرح بآت لأنه ينظر فى الأشياء الفناء والزّوال ، وأنّها فى الحقيقة كالظّلال والخيال. وقال الجنيد : لا يكون العارف عارفا حتّى يكون كالأرض يطؤها (٢) البرّ والفاجر ، وكالسّحاب يظلّ كلّ شىء ، وكالمطر يسقى ما يحبّ وما لا يحبّ.
__________________
(١) فى الأصلين : «ألا» وما أثبت أنسب
(٢) فى ب : «يطؤه» وكذا هو فى الرسالة القشيرية فى باب المعرفة