وقال ذو النون رحمهالله : علامة العارف ثلاثة : لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ، ولا يعتقد باطنا من العلم ينقض عليه (١) ظاهرا من الحكم ، ولا يحمله كثرة نعم الله على هتك أستار محارم الله. وهذا أحسن ما قيل فى المعرفة. وقال : ليس بعارف من وصف المعرفة عند أبناء الآخرة فكيف عند أبناء الدّنيا؟ يريد أنه ليس من المعرفة وصف المعرفة لغير أهلها سواء كانوا عبّادا أو من أبناء الدنيا. وسئل ذو النون عن العارف فقال : كان هاهنا فذهب. فسئل الجنيد عن معناه فقال : لا يحصره حال عن حال ، ولا يحجبه منزل عن التنقّل فى المنازل ، فهو مع أهل كل منزل (على الّذى هم (٢)) فيه ، يجد مثل الذى يجدون ، وينطق بمعالمها ليتبلغوا (٣).
وقال بعض السّلف : نوم العارف يقظة ، وأنفاسه تسبيح ، ونومه أفضل من صلاة الغافل. إنما كان نومه يقظة لأنّ قلبه حىّ فعيناه تنامان وروحه ساجدة تحت العرش بين يدى ربّها ؛ وإنّما كان نومه أفضل من صلاة الغافل لأنّ بدنه (٤) فى الصلاة واقف وقلبه يسبح فى حشوش (٥) الدنيا والأمانىّ.
وقيل : مجالسة العارف تدعوك من ستّ إلى ستّ : من الشك إلى اليقين ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الغفلة إلى الذكر ، ومن الرغبة فى الدنيا إلى الرغبة فى الآخرة ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن سوء الطويّة إلى النصيحة. وللكلام فى المعرفة تتمة نذكرها فى محلّها فى المقصد المشتمل على علوم الصوفية إن شاء الله.
__________________
(١) فى الأصلين : «عنه» وما أثبت من الرسالة ١٨٧
(٢) فى الرسالة : «بمثل الذى هو»
(٣) فى الرسالة : «لينتفعوا بها»
(٤) أى بدن الغافل
(٥) يراد المراحيض