هناك بضع عشرة ليلة ، ثم عادوا إلى المدينة» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (انْفِرُوا) من النفر وهو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان لسبب من الأسباب الداعية لذلك.
يقال : نفر فلان إلى الحرب ينفر وينفر نفرا ونفورا ، إذا خرج بسرعة ويقال : استنفر الإمام الناس ، إذا حرضهم على الخروج للجهاد. ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : وإذا استنفرتم فانفروا أى : وإذا دعاكم الإمام إلى الخروج معه للجهاد فاخرجوا معه بدون تثاقل.
واسم القوم الذين يخرجون للجهاد : النفير والنفرة والنفر.
ويقال : نفر فلان من الشيء ، إذا فزع منه ، وأدبر عنه ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ ، وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٢).
وقوله : (اثَّاقَلْتُمْ) : من الثقل ضد الخفة. يقال : تثاقل فلان عن الشيء ، إذا تباطأ عنه ولم يهتم به .. ويقال : تثاقل القوم : إذا لم ينهضوا لنجدة المستجير بهم. وأصل (اثَّاقَلْتُمْ) تثاقلتم ، فأبدلت التاء ثاء ثم أدغمت فيها ، ثم اجتلبت همزة الوصل من أجل التوصل للنطق بالساكن.
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله ، (ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) أى : ما الذي جعلكم تباطأتم عن الخروج إلى الجهاد ، حين دعاكم رسولكم صلىاللهعليهوسلم إلى قتال الروم ، وإلى النهوض لإعلاء كلمة الله ، ونصرة دينه؟
وقد ناداهم ـ سبحانه ـ بصفة الإيمان ، لتحريك حرارة العقيدة في قلوبهم ، وتوجيه عقولهم إلى ما يستدعيه الإيمان الصادق من طاعة لله ولرسوله. والاستفهام في قوله : (ما لَكُمْ) لإنكار واستبعاد صدور هذا التثاقل منهم ، مع أن هذا يتنافى مع الإيمان والطاعة.
قال الجمل : و «ما» مبتدأ ، و «لكم» خبر ، وقوله «اثاقلتم» حال. وقوله : «إذا قيل لكم» ظرف لهذه الحال مقدم عليها.
والتقدير : أى شيء ثبت لكم من الأعذار. حال كونكم متثاقلين في وقت قول الرسول لكم : انفروا في سبيل الله (٣).
وقوله. «إلى الأرض» متعلق بقوله : «اثاقلتم» على تضمينه معنى الميل إلى الراحة ،
__________________
(١) لمعرفة تفاصيل غزوة تبوك : راجع «سيرة ابن هشام» ج ٤ ص ١٥٩. طبعة الحلبي.
(٢) سورة الإسراء. الآية ٤٦.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٨٢.