والأصل فيه ما جاء في سفر الخروج : «ولمّا اقترب موسى من المحلّة أبصر العجل والرقص ، فغضب ورمى اللوحين فكسرهما ، ثمّ أخذ العجل فأحرقه وطحنه وذرّاه على وجه الماء وسقاه بني إسرائيل! ولام موسى هارون فاعتذر إليه.
ولمّا رأى موسى ذلك ، طلب من كان للربّ أن يأتيه ، فأتاه بنو لاوي ـ من قبيل موسى وهارون ، دون سائر الأسباط ـ فأمرهم أن يأخذوا سيوفهم ويمرّوا بالمحلّة بابا بابا ، ويقتل كلّ رجل أخاه وصاحبه وقريبه ، ففعلوا وقتل في ذلك اليوم ثلاثة آلاف رجل .. ثمّ صعد موسى الجبل وطلب لهم المغفرة من الله ، فإذا لم يفعل فليمح موسى من كتابه. فأجابه الربّ إلى ذلك» (١).
وهذه القصّة على غرابتها سرت ـ بزيادة ومبالغة ـ في كتب التفسير والحديث ، ومن غير أن يكون لها شاهد من الكتاب أو الأثر الصحيح.
هكذا ذكر الثعلبي القصّة مبالغا فيها ، قال : لمّا أمرهم موسى بالقتل ، قالوا نصبر لأمر الله!! فجلسوا بالأفنية (٢) محتبئين (٣) مطرقين مهيّئين للقتل!!
وقيل لهم : من حلّ حبوته أو مدّ طرفه إلى قائله أو اتّقاه بيد أو رجل ، فهو ملعون مردود توبته ، وأصلت القوم عليهم الخناجر (٤) وكان الرجل يرى ابنه وأباه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره ، فلم يمكنهم المضيّ لأمر الله ، وقالوا لموسى كيف نفعل؟! فأرسل الله ضبابة (٥) وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا ، فجعلوا يقتلونهم حتّى المساء. فلمّا كثر القتلى دعا موسى وهارون وبكيا وجزعا وتضرّعا إلى الله وقالا : يا ربّ هلكت بنو إسرائيل ، البقيّة البقيّة!
فكشف الله عنهم وأمرهم أن يكفّوا عن القتل. فتكشفت عن ألوف من القتلى .. ويروى أنّ عدد القتلى بلغ سبعين ألفا ، فاشتدّ ذلك على موسى ، فأوحى الله إليه : أما يرضيك أن أدخل القاتل
__________________
(١) سفر الخروج ، أصحاح ٢٥٣٢ ـ ٢٩.
(٢) فناء الدار : الساحة أمام البيت.
(٣) الاحتباء : جلوس على الورك والقدمين ، جامعا للركبتين إلى الصدر ، مع شدّ الساقين إلى الظهر بعمامة ونحوها.
(٤) أصلت السيف : جرّده من غمده وسلّه شاهرا به.
(٥) الضبابة : سحابة تغشي الأرض.