والمقتول الجنّة؟ وكان من قتل منهم شهيدا ، ومن بقي مكفّرا عنه ذنوبه! فذلك قوله تعالى : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) يعني : ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم وتجاوز عنكم. (١).
هذا ما لفّقه الثعلبي وأضرابه مستمدّين من نصّ التوراة ، بزيادة وتوفير ، فزادوا في الطين بلّة.
وهكذا جاء أبو جعفر الطبري قبله بهذه الأقاصيص من غير تريّث ولا اكتراث ، قال : وكان الفعل الذي فعله بنو إسرائيل ما أوجب ارتدادهم ، ومن ثمّ أمرهم موسى بالمراجعة والإنابة من ردّتهم بالتوبة إليه تعالى والتسليم لطاعته. فاستجاب القوم (!!) لما أمرهم به موسى. فجعل يروي في ذلك ما يشبه رواية الثعلبي :
[٢ / ١٩١٣] منها ما أخرجه عن ابن عبّاس قال : أمر موسى قومه عن أمر ربّه أن يقتلوا أنفسهم ، واحتبى الّذين عكفوا على العجل فجلسوا ، وقام الّذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم ، وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضا ، فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا (٢) عن سبعين ألف قتيل ، كلّ من قتل منهم كانت له توبة ، وكلّ من بقي كانت له توبة (٣).
[٢ / ١٩١٤] وعن ابن إسحاق ، قال : لمّا رجع موسى إلى قومه ، وأحرق العجل وذرّاه في اليمّ ؛ خرج إلى ربّه بمن اختار من قومه ، فأخذتهم الصاعقة ، ثمّ بعثوا. سأل موسى ربّه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل ، فقال : لا ، إلّا أن يقتلوا أنفسهم. قال : فبلغني أنّهم قالوا لموسى : نصبر لأمر الله ، فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يقتل من عبده ، فجلسوا بالأفنية وأصلت (٤) عليهم القوم السيوف ، فجعلوا يقتلونهم ، وبكى موسى وبهش (٥) إليه النساء والصبيان يطلبون العفو عنهم ، فتاب عليهم وعفا عنهم ، وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف (٦).
[٢ / ١٩١٥] وعن ابن زيد قال : لمّا رجع موسى إلى قومه ، وكانوا سبعين رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه. فقال لهم موسى : انطلقوا إلى موعد ربّكم ، فقالوا : يا موسى أما من توبة؟ قال : بلى
__________________
(١) الثعلبي ١ : ١٩٨ ؛ البغوي ١ : ١١٨.
(٢) أجلوا : انكشفوا.
(٣) الطبري ١ : ٤٨٠ / ٧٨٦.
(٤) أصلت السيف : جرده من غمده.
(٥) بهش إليه : ارتاح له وخفّ إليه.
(٦) الطبري ١ : ٤١٠ / ٧٩٣ ؛ ابن كثير ١ : ٩٦ ، وفيه : «فهش موسى فبكى».