بعضهم بعضا ثمّ انكشف عنهم ، فجعل توبتهم في ذلك (١).
[٢ / ١٩٢٦] وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ...) الآية. قال : أمر القوم بشديد من البلاء ، فقاموا يتناحرون بالشفار ، ويقتل بعضهم بعضا ، حتّى بلغ الله نقمته فيهم وعقوبته ، فلمّا بلغ ذلك سقطت الشفار من أيديهم وأمسك عنهم القتل ، فجعله الله للحيّ منهم توبة وللمقتول شهادة (٢).
[٢ / ١٩٢٧] وقال مقاتل بن سليمان ـ بعد أن بعث الله الّذين أخذتهم الصاعقة ـ : ثمّ انصرفوا مع موسى راجعين فلمّا دنوا من المعسكر على ساحل البحر سمعوا اللغط حول العجل ، فقالوا : هذا قتال فى المحلّة ، فقال موسى عليهالسلام ليس بقتال ولكنّه صوت الفتنة ، فلمّا دخلوا المعسكر رأى موسى ماذا يصنعون حول العجل ، فغضب وألقى الألواح فانكسر منها لوحان ، فارتفع من اللوح بعض كلام الله ـ عزوجل ـ فأمر بالسامريّ فأخرج من محلّة بني إسرائيل ، ثمّ عمد إلى العجل فبرده بالمبرد وأحرقه بالنار ثمّ ذرّاه في البحر فذلك قوله : (لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً)(٣) فقال موسى : إنّكم ظلمتم ـ أي ضررتم ـ أنفسكم باتّخاذكم العجل إلها من دون الله ـ سبحانه وتعالى ـ (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ). يعني خالقكم. وندم القوم على صنيعهم. فذلك قوله ـ سبحانه : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا) يعني أشركوا بالله ـ عزوجل ـ (قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٤). فقالوا : كيف لنا بالتوبة يا موسى؟ قال : اقتلوا أنفسكم يعني يقتل بعضكم بعضا كقوله سبحانه في النساء : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(٥) يقول : لا يقتل بعضكم بعضكم. (إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) يعني : ذلك القتل والتوبة خير لكم عند بارئكم ، يعني عند خالقكم. قالوا : قد فعلنا. فلمّا أصبحوا أمر موسى عليهالسلام البقية الاثني عشر ألفا الّذين لم يعبدوا العجل أن يقتلوهم بالسيف والخناجر ، فخرج كلّ بني أب على حدّه من منازلهم ، فقعدوا بأفنية بيوتهم ، فقال بعضهم لبعض : هؤلاء إخوانكم أتوكم
__________________
(١) ابن أبي حاتم ١ : ١١٠ / ٥٣٠ ؛ ابن كثير ١ : ٩٦. الحندس : الليل الشديد الظلمة.
(٢) الدرّ ١ : ١٦٩ ؛ ابن كثير ١ : ٩٦ ، بتفاوت ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١١٠ / ٥٢٩ ، بتفاوت.
(٣) طه ٢٠ : ٩٧.
(٤) الأعراف ٧ : ١٤٩.
(٥) النساء ٤ : ٢٩.