شاهرين السيوف فاتّقوا الله واصبروا ، فلعنة الله على رجل حلّ حبوته أو قام من مجلسه أو اتّقى بيد أو رجل أو حار إليهم طرفة عين (١). قالوا : آمين. فقتلوهم من لدن طلوع الشمس إلى انتصاف النهار يوم الجمعة وأرسل الله ـ عزوجل ـ عليهم الظلمة حتّى لا يعرف بعضهم بعضا. فبلغت القتلى سبعين ألفا. ثمّ أنزل الله ـ عزوجل ـ الرحمة فلم يحدّ فيهم السلاح ، فأخبر الله ـ عزوجل ـ موسى عليهالسلام أنّه قد نزلت الرحمة. فقال لهم : قد نزلت الرحمة ثمّ أمر موسى المنادي فنادى أن ارفعوا سيوفكم عن إخوانكم فجعل الله ـ عزوجل ـ القتلى شهداء ، وتاب الله على الأحياء ، وعفى عن الّذين صبروا للقتل فلم يقتلوا. فمن مات قبل أن يأتيهم موسى عليهالسلام على عبادة العجل دخل النار. ومن هرب من القتل لعنهم الله فضربت عليهم الذلّة والمسكنة ، فذلك قوله : (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)(٢). وذلك ـ قوله سبحانه ـ : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ)(٣).
فكان الرجل يأتي نادى قومه وهم جلوس فيقتل من العشرة ثلاثة ويدع البقية ، ويقتل الخمسة من العشرين ، ومن كتب عليهم الشهادة ويبقى الّذين لم يقض لهم أن يقتلوا. فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) فلم نهلككم جميعا (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) يعني بعد العجل (لَعَلَّكُمْ) يعني لكي (تَشْكُرُونَ) ربّكم في هذه النعم ، يعني العفو. (فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). وذلك قوله ـ سبحانه ـ في الأعراف : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها) يعني من بعد عبادة العجل (وَآمَنُوا) يعني وصدّقوا بأنّ الله واحد لا شريك له (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(٤) لذو تجاوز عنهم رحيم بهم عند التوبة (٥).
[٢ / ١٩٢٨] وقال قتادة : جعل عقوبة عبدة العجل القتل لأنّهم ارتدّوا. والكفر يبيح الدمّ (٦).
قلت : هذا ينافي ما سيأتي عن قتادة أنّه قرأ : «فأقيلوا أنفسكم» من الإقالة. أي استقيلوا العثرة
__________________
(١) حار إليه طرفه أي رجع ببصره إليه.
(٢) الأعراف ٧ : ١٥٢.
(٣) الأعراف ٧ : ١٦٧.
(٤) الأعراف ٧ : ١٥٣.
(٥) تفسير مقاتل ١ : ١٠٥ ـ ١٠٧.
(٦) أبو الفتوح ١ : ٢٩٤ ؛ الثعلبي ١ : ١٩٨.