وهكذا جاء في قراءة قتادة : «فأقيلوا أنفسكم» من الإقالة : أي استقيلوا العثرة بالتوبة (١). أي امحوها بالتوبة. كما قال ابن الزبير بشأن مقتل عثمان : لا أستقيلها أبدا. أي لا أقيل هذه العثرة ولا أنساها (٢).
ولعلّه قراءة بالمعنى قصدا للتفسير ، كما في قراءات معزوّة إلى ابن مسعود وكثير من السلف.
وفي شواذّ ابن خالويه : قرأ قتادة : «فاقّيّلوا أنفسكم». قال : اقتال في غير هذا (الموضع) بمعنى احتكم ، كما قال كعب :
«وما اقتال من حكم عليّ طبيب» (٣).
وعليه فالمعنى هنا : طلب الإقالة من عثرتها ، المستدعي لشدّة النكير عليها وتعنيفها على ما فرط منها فلا تعود لمثلها أبدا.
***
هذا وقد صحّ التعبير بقتل النفس كناية عن كبح جموحها والحطّ من غلواء شهواتها ، فلا تطغو ولا تتجاوز حدودها المضروبة لها.
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً. وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً. وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً)(٤).
قوله : (أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) بترك هواها والتزام الطاعة محضا.
[٢ / ١٩٣٣] قال الإمام الصادق عليهالسلام : «بالتسليم لوليّ الأمر والطاعة له محضا» (٥) وهذا إشارة إلى ما في آية سابقة عليها : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ) إلى قوله : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(٦).
__________________
(١) الثعلبي ١ : ١٩٨.
(٢) لسان العرب ١١ : ٥٨٠.
(٣) شواذّ القراءات : ٦ / ٥.
(٤) النساء ٤ : ٦٦ ـ ٦٨.
(٥) الكافي ٨ : ١٨٤ / ٢١٠.
(٦) النساء ٤ : ٦٢ ـ ٦٥.