فقتل النفس كناية عن التسليم المحض لأوامر الله ، الأمر الذي يؤكّد عليه القرآن كثيرا : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(١).
وقوله : (وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أي الهجرة ممّا ألفوه من ملابسات الديار ، إلى حيث كان الأفضل في سبيل الرشاد.
وهذا يدخل في باب مجاهدة النفس المعبّر عنها بالجهاد الأكبر ، كما في الحديث :
[٢ / ١٩٣٤] روى ثقة الإسلام الكليني بالإسناد إلى الإمام الصادق قال : «بعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سريّة ، فلمّا رجعوا قال : مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، وبقي عليهم الجهاد الأكبر! قيل : يا رسول الله! ما الجهاد الاكبر؟ قال : جهاد النفس» (٢).
[٢ / ١٩٣٥] وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ أفضل الجهاد من جاهد نفسه الّتي بين جنبيه» (٣).
[٢ / ١٩٣٦] وقال الصادق عليهالسلام : «من ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى وإذا غضب وإذا رضي ، حرّم الله جسده على النار» (٤).
على أنّ من شرائط التوبة : الانخلاع عمّا كسبه من مشتهيات الآثام وما اقترفه من لذائذ الحرام .. فعليه أن يجاهد نفسه ويذهب بما فيها من أدران ، وهذا هو قتل النفس وسلبها مقاليد الهوى.
نعم : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٥).
فشرط قبول التوبة هو القيام بإصلاح ما أفسدته المعصية.
[٢ / ١٩٣٧] قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : «إنّ الاستغفار درجة العلّيّين ، وهو اسم واقع على ستّة معان : أوّلها : الندم على ما مضى. والثاني : العزم على ترك العود إليه أبدا. والثالث : أن تؤدّي إلى
__________________
(١) النساء ٤ : ٦٢ ـ ٦٥.
(٢) الكافي ٥ : ١٢ / ٣ ؛ الأمالي ، الصدوق : ٥٥٣ / ٧٤٠ ، المجلس ٧١.
(٣) أمالي الصدوق : ٥٥٣ / ٧٤٠ ؛ معاني الأخبار : ١٦٠ / ١.
(٤) الفقيه ـ ٤ : ٤٠٠ / ١٥٦٠.
(٥) الأنعام ٦ : ٥٤.