المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى الله أملس (نقيّا صافيا) ليس عليك تبعة. والرابع : أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها.
والخامس : أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان ، حتّى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد. والسادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة ، كما أذقته حلاوة المعصية» (١).
فعند ذلك يصحّ الاستغفار ، وتكون التوبة توبة نصوح.
هذه البنود ولا سيّما الخامس والسادس ، هي مجاهدة النفس وقتلها في سبيل هواها ، لتخلص صافية ضاحية ومستبشرة عند الله.
[٢ / ١٩٣٨] قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من تاب ولم يغيّر خلقه ونيّته فليس بتائب» (٢). والروايات بهذا الشأن كثيرة تؤكّد على مقابلة النفس فيما اشتهته من معاصي وآثام.
هذا فضلا عن دلالة سياق الآية على أنّ المراد هي مجاهدة النفس ومقابلتها مقابلة عنيفة ، لكسر شوكتها وكبح غرورها ، فلا تجرأ على معصية الله أبدا.
فقد جاء في آية سابقة عليها : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ. ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٣).
ثمّ كرّر ذلك وقال : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(٤).
فالعفو في الآية السابقة هو العفو في هذه الآية ، لكن مع تفصيل لقبول التوبة : أوّلا : الأوبة إلى الله بالتضرّع لديه والاستغفار.
ثانيا : بمقابلة النفس بالأخذ بنقيض مطلوبها ... فقد كانوا أطلقوا سراحها من قبل ـ وكان ذلك في الواقع ظلما لها ـ فالآن فيجب أن تقابل بالمثل وأن تكبح جموحها.
والتعبير بإماتة النفس كثير في آثار المعصومين عليهمالسلام.
__________________
(١) نهج البلاغة ٤ : ٩٨ ، الحكمة ٤١٧.
(٢) جامع الأخبار ، السبزواري : ٢٢٧ ؛ البحار ٦ : ٣٦ / ٥٢.
(٣) البقرة ٢ : ٥١ ـ ٥٢.
(٤) البقرة ٢ : ٥٤.