يقال لهم : (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ)(١) فيقولون : حنطة في شعيرة ، ويدخلون الباب من قبل أستاههم ، مع غير ذلك من أفعالهم التي آذوا بها نبيّهم عليهالسلام التي يكثر إحصاؤها. فأعلم ربّنا ـ تبارك وتعالى ذكره ـ الّذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بني إسرائيل الّذين كانوا بين ظهرانيّ مهاجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّهم لن يعدوا أن يكونوا في تكذيبهم محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجحودهم نبوّته ، وتركهم الإقرار به وبما جاء به ، مع علمهم به ومعرفتهم بحقيقة أمره ، كأسلافهم وآبائهم الّذين فصّل عليهم قصصهم في ارتدادهم عن دينهم مرّة بعد أخرى ، وتوثّبهم على نبيّهم موسى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ تارة بعد أخرى ، مع عظيم بلاء الله ـ جلّ وعزّ ـ عندهم وسبوغ آلائه عليهم.
قال في تأويل قوله تعالى : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ :)
اختلف أهل التأويل في صفة الصاعقة التي أخذتهم. فقال بعضهم بما :
[٢ / ١٩٤٩] روى عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) قال : ماتوا.
[٢ / ١٩٥٠] وعن الربيع : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) قال : سمعوا صوتا فصعقوا. يقول : فماتوا.
وقال آخرون بما :
[٢ / ١٩٥١] عن أسباط ، عن السدّي : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) والصاعقة : نار.
وقال آخرون بما :
[٢ / ١٩٥٢] روي عن ابن إسحاق ، قال : أخذتهم الرجفة وهي الصاعقة فماتوا جميعا.
وأصل الصاعقة : كلّ أمر هائل رآه أو عاينه أو أصابه حتّى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب ، وإلى ذهاب عقل وغمور فهم ، أو فقد بعض آلات الجسم ، صوتا كان ذلك ، أو نارا ، أو زلزلة ، أو رجفا.
وممّا يدلّ على أنّه قد يكون مصعوقا وهو حيّ غير ميّت ، قول الله ـ عزوجل ـ : (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً)(٢) يعني مغشيّا عليه. ومنه قول جرير بن عطية :
__________________
(١) الأعراف ٧ : ١٦١.
(٢) الأعراف ٧ : ١٤٣.