وهل كان الفرزدق غير قرد |
|
أصابته الصواعق فاستدارا (١) |
فقد علم أنّ موسى لم يكن حين غشي عليه وصعق ميّتا ؛ لأنّ الله ـ جلّ وعزّ ـ أخبر عنه أنّه لمّا أفاق قال : (تُبْتُ إِلَيْكَ)(٢). ولا شبّه جرير الفرزدق وهو حيّ بالقرد ميّتا ، ولكن معنى ذلك ما وصفنا.
ويعني بقوله : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) : وأنتم تنظرون إلى الصاعقة التي أصابتكم ، يقول : أخذتكم الصاعقة عيانا جهارا وأنتم تنظرون إليها (٣).
وقال في تأويل قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
يعني بقوله : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) ثمّ أحييناكم. وأصل البعث : إثارة الشيء من محلّه ، ومنه قيل : بعث فلان راحلته : إذا أثارها من مبركها للسير ، كما قال الشاعر :
فأبعثها وهي صنيع حول |
|
كركن الرعن ذعلبة وقاحا (٤) |
والرعن : منقطع أنف الجبل ، والذعلبة : الخفيفة ، والوقاح ، الشديدة الحافر أو الخفّ. ومن ذلك قيل : بعثت فلانا لحاجتي : إذا أقمته من مكانه الذي هو فيه للتوجّه فيها.
ومن ذلك قيل ليوم القيامة : يوم البعث ، لأنّه يوم يثار الناس فيه من قبورهم لموقف الحساب.
ويعني قوله : (مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) من بعد موتكم بالصاعقة التي أهلكتكم.
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يقول : فعلنا بكم ذلك لتشكروني على ما أوليتكم من نعمتي عليكم بإحيائي إيّاكم استبقاء منّي لكم لتراجعوا التوبة من عظيم ذنبكم بعد إحلالي العقوبة بكم بالصاعقة التي أحللتها بكم ، فأماتتكم بعظيم خطئكم الذي كان منكم فيما بينكم وبين ربّكم.
وهذا القول على تأويل من تأوّل قوله قول (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) ثمّ أحييناكم.
__________________
(١) ديوانه (ص ٢٠٩) من قصيدة أوّلها :
ألا حيّ الديار بسعد إنّي |
|
أحب لحبّ فاطمة الديارا |
وبعد البيت الذي ذكره الطبري :
وكنت إذا حللت بدار قوم |
|
رحلت بخزية وتركت عارا |
وقوله : «استدار» يعني تحوّل إنسانا بعد أن كان قردا.
(٢) الأعراف ٧ : ١٤٣.
(٣) الطبري ١ : ٤١٢ ـ ٤١٤.
(٤) أبعثها : يعني ناقته. وصنيع حول : يعني رعت حولا حتّى سمنت.