أمرهم به وخرجوا للقاء الله : يا موسى اطلب لنا إلى ربّك لنسمع كلام ربّنا! فقال : أفعل. فلمّا دنا موسى من الجبل وقع عليه الغمام حتّى تغشّى الجبل كلّه ، ودنا موسى فدخل فيه ، وقال للقوم : ادنوا. وكان موسى إذا كلّمه ربّه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه ، فضرب دونه الحجاب. ودنا القوم حتّى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا ، فسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه : افعل ولا تفعل. فلمّا فرغ من أمره وانكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا لموسى : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً. فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ)(١) وهي الصاعقة فماتوا جميعا. وقام موسى يناشد ربّه ويدعوه ، ويرغب إليه ويقول : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ)(٢) وقد سفهوا ، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما تفعل السفهاء منّا؟ أي أنّ هذا لهم هلاك ، اخترت منهم سبعين رجلا ، الخيّر فالخيّر ارجع إليهم ، وليس معي منهم رجل واحد ، فما الذي يصدّقوني به أو يأمنوني عليه بعد هذا؟ (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ)(٣). فلم يزل موسى يناشد ربّه ـ عزوجل ـ ويطلب إليه ، حتّى ردّ إليهم أرواحهم ، فطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل ، فقال : لا ، إلّا أن يقتلوا أنفسهم (٤).
[٢ / ١٩٥٧] وعن السدّي : لمّا تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل ، وتاب الله عليهم بقتل بعضهم بعضا كما أمرهم به ، أمر الله تعالى موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ، ووعدهم موعدا ، فاختار موسى من قومه سبعين رجلا على عينه ، ثمّ ذهب بهم ليعتذروا. فلمّا أتوا ذلك المكان قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) فإنّك قد كلّمته فأرناه. فأخذتهم الصاعقة فماتوا ، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول : ربّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا)(٥). فأوحى الله إلى موسى : إنّ هؤلاء السبعين ممّن اتخذ العجل ، فذلك حين يقول موسى : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ. وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً
__________________
(١) الأعراف ٧ : ١٥٥.
(٢) الأعراف ٧ : ١٥٥.
(٣) الأعراف ٧ : ١٥٦.
(٤) الطبري ١ : ٤١٦ / ٨٠٦.
(٥) الأعراف ٧ : ١٥٥.