قال وأمّا السلوى فهو الطير ، وذلك أنّ بني إسرائيل سألوا موسى اللحم ، وهم في التيه ، فسأل موسى ربّه ـ عزوجل ـ فقال الله : لأطعمنّهم أقلّ الطير لحما ، فبعث الله ـ سبحانه ـ السماء فأمطرت لهم السلوى وهي السّمانى ، وجمعتهم ريح الجنوب. وهي طير حمر تكون في طريق مصر ، فأمطرت قدر ميل في عرض الأرض ، وقدر رمح في السماء بعضه على بعض.
فقال الله ـ عزوجل ـ لهم : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ) يعني من حلال. كقوله : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) يعني حلالا طيّبا في غير مأثم وإذا وجدوا الماء فهو حرام ، فمن ثمّ قال : طيّبا يعني حلالا من (ما رَزَقْناكُمْ) من السلوى ، ولا تطغوا فيه يعني لا تعصوا الله في الرزق فيما رزقكم ولا ترفعوا منه لغد ، فرفعوا وقدّدوا مخافة أن ينفد ، ولو لم يفعلوا لدام لهم ذلك فقدّدوا منه ورفعوا ، فدوّد وتغيّر ما قدّدوا منه وما رفعوا فعصوا ربّهم ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (وَما ظَلَمُونا) يعني وما ضرّونا يعني ما نقصونا من ملكنا بمعصيتهم شيئا حين رفعوا وقدّدوا منه في غد (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يعني أنفسهم يضرّون (١).
[٢ / ٢٠٥٣] وأخرج عبد الرزّاق عن معمر عن قتادة قال : كان المنّ ينزل عليهم مثل الثلج ، والسلوى طير كانت تحشوها عليهم ريح الجنوب (٢).
[٢ / ٢٠٥٤] وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) قال : هو السحاب الأبيض الذي لا ماء فيه! (٣)
[٢ / ٢٠٥٥] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ...) الآية. قال : كان هذا في البرّيّة ، ظلّل عليهم الغمام من الشمس ، وأطعمهم المنّ والسلوى حين برزوا إلى البرّيّة ، فكان المنّ يسقط عليهم في محلّتهم سقوط الثلج أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فيأخذ الرجل قدر ما يكفيه يومه ذلك فإن تعدّى فسد وما يبقى عنده ، حتّى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته ، أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه فبقي عنده ، لأنّه إذا كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشة ولا لطلب شيء ، وهذا كلّه في البرّيّة (٤).
__________________
(١) تفسير مقاتل ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩.
(٢) عبد الرزّاق ١ : ٢٧١.
(٣) الدرّ ١ : ١٧٠ ؛ التبيان ١ : ٢٥٨ ، بلفظ : قيل هو ما ابيضّ من السحاب.
(٤) الدرّ ١ : ١٧١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١١٣ ـ ١١٤ / ٥٤٨ و ٥٥٦.