ويبدو أنّ القرية كانت قريبة (١) من مرتحلهم آنذاك ، وهم في برّيّة «فاران» حيث نزلوا بمدينة «قادش» مشرفين على أرض كنعان التي هي الأرض المقدّسة التي وعدها الله بني إسرائيل ، مذ خرجوا من مصر ، وقد مضت سنة وهم في غضون السنة الثانية من ترحالهم هذا.
وعنذ ذاك جاء الأمر من عنده تعالى لموسى عليهالسلام : أن ابعث اثني عشر رجلا يتجسّسون أرض كنعان ويدخلون أولى وأزهر مدينة منها : حبرون ، الآهلة بالسكّان والعامرة بوفور النعم. فبعث موسى من كلّ قبيلة رجلا يتجسّسون الأخبار (٢) وقال لهم : اصعدوا إلى الجبل ، وانظروا الأرض ما هي وما سكّانها وتأكّدوا من عددهم وعدّتهم ، وكذلك انظروا في ثمرات الأرض وبركاتها .. فصعدوا إلى الجبل وأتوا إلى حبرون وجمعوا الأخبار ورجعوا بعد أربعين يوما ، يحملون أخبارا عن ثمرات الأرض وعوائدها ، وشيئا من قوّة رجالها ومناعة حصونها ، الأمر الذي هابه القوم ، لو لا أنّ كالبا ويوشع أخذا يخفّفان من هولهم ويثبتان من عزيمتهم على الاستقامة ، وأنّهم سوف يغلبونهم بحوله تعالى وقوّته. وقد وعدهم الله ذلك.
أمّا البقيّة (العشرة) فجعلوا يبالغون في تهويل القوم والحديث عن مقدرة رجال المدينة الجبّارة وفيهم العمالقة بنو العناق ، ذوو الأجسام الضخام ، كما أخذوا يزهّدون القوم ويستقلّون من ثمرات الأرض وضحالة عوائدها ، بما كاد يثبّط من عزيمة القوم وتخوير قواهم.
فتذمّر القوم وتندّموا عن مغادرة مصر ذات النعم الوفيرة ، وأخذوا يتمرّدون عن أوامر موسى ، فاحتار موسى في أمره وكاد يأخذه الغضب.
وهنا نزل العذاب المفاجئ (٣) بأولئك المثبّطين العشرة ، فماتوا لفورهم ، إذ كانوا قد بدّلوا القول ، فبدلا من أن يشجّعوا القوم ويرغّبوهم في القيام والجهاد ، وأنّ الظفر حليفهم ماداموا على الإيمان ،
__________________
(١) حيث الإشارة إليها ب «هذه» المفيدة للقرب. وقد كان بينهم وبينها ما يقرب من ستّين ميلا ، حيث كانوا نزلوا في مدينة قادش من برّيّة فاران. وبرّيّة فاران تقع في شرقيّ وادي سيناء بين برّيّة شور وبرّيّة سين. ومدينة قادش تقع في منتهى برّيّة فاران نحو الأرض المقدّسة ، بينها وبين أولى مدينة عامرة من أرض كنعان المقدّسة ما يقرب من ستّين ميلا.
(٢) جاءت أساميهم في سفر العدد (١ : ١٣) : يوشع ، كالب ، شموع ، شافاط ، يجال ، فلطي ، جدى ئيل ، جدى ، عمي ئيل ، ستور ، نحبي ، جاوئيل.
(٣) جاء في سفر العدد ١٤ : ٣٦ ـ ٣٨ : أهلكهم الوباء ، وهو كلّ مرض متفشّ سريع الإهلاك.