كما لهم الحظّ الأوفر من خيرات البلد وبركاته ، جعلوا يجبّنونهم ويزهّدونهم في أمر القيام.
وهكذا كانت عقوبة القوم في تزمّرهم وتمرّدهم أن تاهوا في برّيّة فاران أربعين سنة يتيهون في الأرض وهم على مشارف الأرض الموعودة (١).
وكما جاء في سورة المائدة : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ. قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ. قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ. قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ. قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ)(٢).
***
هذا ، وللمفسّرين في تعيين هذه القرية ـ التي أمر بنو إسرائيل أن يدخلوها وهم على مشارف الأرض المقدّسة ، والتي كانت عامرة وزاهرة حينذاك ـ أقوال وآراء :
فمن قائل : إنّها «أريحا» (٣) مدينة قديمة من بلاد فلسطين ، بنيت منذ العصر الحجري وقد اتّخذها الكنعانيّون مساكنهم فيها منذ عهد بعيد.
وهذه المدينة واقعة في الشمال الشرقيّ من أورشليم بمسافة ١٥ ميلا وبينها وبين الأردن ٥ أميال.
وهي وإن كانت زاهية وعامرة حينذاك ، غير أنّها تقع في الضفة المقابلة لمسيرة بني إسرائيل المتّجهة نحو القدس.
وقيل : هي إيلياء (٤) ، اسم مدينة بيت المقدس. قيل : معناه بيت الله. وحكى الحفصي فيه القصر.
__________________
(١) راجع : سفر العدد : ١٣ ـ ١٤. وسفر التثنية ١ : ١٩ ـ ٤٦ و ٢ : ١ ـ ٢.
(٢) المائدة ٥ : ٢١ ـ ٢٦.
(٣) برواية الطبري (١ : ٤٢٦) عن أبي وهب عن عبد الرحمان بن زيد بن أسلم.
(٤) تفسير مقاتل ١ : ١٠٩.