المرفوع في الصحيحين وغيرهما. قال : ولم يصرّح أبو هريرة بسماع هذا من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيحتمل أنّه سمعه من كعب الأحبار ، إذ ثبت أنّه روي عنه. قال السيّد : وهذا مدرك عدم اعتماد الأستاذ رحمهالله على مثل هذا من الإسرائيليّات وإن صحّ سنده (١).
وفسّر أبو مسلم التبديل هنا بمجرّد المخالفة وترك ما أمروا به ، لا أنّهم بدّلوه بقول آخر.
قال : قوله تعالى : (فَبَدَّلَ) يدلّ على أنّهم لم يفعلوا ما أمروا به ، لا على أنّهم أتوا له ببدل .. قال :
والدليل عليه ، أنّ تبديل القول قد يستعمل في المخالفة [محضا] ، كما في قوله تعالى : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ ...)(٢) ، ولم يكن تبديلهم إلّا الخلاف في الفعل لا في القول ، فكذا هنا فيكون المعنى : أنّهم لمّا أمروا بالتواضع وسؤال المغفرة لم يمتثلوا أمر الله (٣).
وهذا القول رجّحة المراغى والقاسمي وغيرهما من مفسّرين معاصرين (٤).
لكن هذا ينافي ظاهر قوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)(٥).
***
وقال ابن عاشور : وكان المخاطبون العرب واليهود يعلمون تفاصيل القصّة ، ومن ثمّ جاءت الآية مختصرا فيها الكلام ، الأمر الذي جعل المفسّرين حيارى فسلكوا طرائق لانتزاع تفصيل المعنى ، ولم يأتوا بشيء مقنع ، وفيها بعض التضارب والمخالفات.
قال : والذي عندي أنّ الآية أشارت إلى قصّة معروفة تضمّنتها كتبهم (٦) وهي أنّ بني إسرائيل لمّا طوّحت بهم الرحلة إلى برّيّة «فاران» (٧) نزلوا بمدينة «قادش» (٨) فأصبحوا على حدود أرض
__________________
(١) تفسير المنار ٩ : ٣٧٣.
(٢) الفتح ٤٨ : ١٥.
(٣) التفسير الكبير ٣ : ٩١. وتفسير أبي مسلم ـ إخراج الغياثي ـ : ٩٤.
(٤) راجع : تفسير المراغي ١ : ١٢٤. والقاسمي ١ : ٢٩٦.
(٥) البقرة ٢ : ٥٩. والأعراف ٧ : ١٦٢.
(٦) راجع : سفر الخروج : ١٦. وسفر التثنيه : ١ ـ ٢. وسفر الأعداد : ١٣ ـ ١٤.
(٧) برّيّة فاران : صحراء وسيعة واقعة في سفح جبل بهذا الاسم ، بمعنى : ذات مغارات ، كانت متاه بني إسرائيل ، بين وادي سيناء جنوبا ، وأرض كنعان شمالا ، وخليج العقبه شرقا ، وصحراء الشام غربا.
(٨) قاديشا ، يعني الوادي المقدّس ، واد في لبنان الشمالي. دعي كذلك لكثرة النسّاك والرهبان الّذين أقاموا فيه منصرفين إلى العبادة في مغارة. كان ملجأ للموارنة في أيّام الشدّة.