كنعان (الأرض الموعودة) وذلك أثناء السنة الثانية بعد خروجهم من مصر. فأرسل موسى اثني عشر رجلا يتجسّسون أرض كنعان ، من كلّ سبط رجل ، وفيهم يوشع بن نون وكالب بن يفنّة ، فصعدوا وأتوا إلى مدينة «حبرون» (١) فوجدوا الأرض ذات خيرات ، فأخذوا من عنبها ورمّانها وتينها ورجعوا بعد أن قضوا أربعين يوما وأخبروا القوم وأروهم ثمر الأرض ، وقالوا : إنّها ـ حقّا ـ تفيض لبنا وعسلا. غير أنّ أهلها ذوو عزّة ، ومدنها حصينة جدّا. فأوعز موسى إلى كالب ويوشع بأنّهم سوف يصعدون إلى المدينة ويمتلكونها ، غير أنّ العشرة الباقين أشاعوا في بني إسرائيل مذمّة الأرض وأنّ فيها جبابرة ، فخافت بنو إسرائيل وجبنوا عن القتال. فقام يوشع وكالب وقالا : لا تخافوا فإنّهم سوف يذلّهم الله على أيدينا ، فلم يكترث القوم بقولهما وتجابنوا. فأوحى الله إلى موسى أنّ قومه قد أساؤوا الظنّ بربّهم ، فعاقبهم بالحرمان من دخول الأرض المقدّسة أربعين سنة يتيهون في الأرض.
قال ابن عاشور : هذه القصّة كما وردت في العهد القديم تنطبق بعض الانطباق مع الآية الكريمة : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ. قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ. قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ. قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ)(٢).
قال : قوله تعالى : (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) الظاهر أنّه أراد بها «حبرون» (٣) التي كانت قريبة منهم والتي ذهب إليها جواسيسهم وأتوا بأخبارها وثمارها.
__________________
(١) سيأتي الكلام عنها.
(٢) المائدة ٥ : ٢١ ـ ٢٦.
(٣) حبرون : هي مدينة الخليل ، من أقدم مدن العالم. معروفة بزراعة العنب والتين وصناعة الزجاج. كانت مسكن إبراهيم الخليل وفيها مقبرته. مبنيّة على هضبة على مسافة ٢٠ ميلا من جنوبي أورشليم و ١٠٠ ميل من بلدة ناصرة. بناؤها من حجر الكلس وكانت لها أبواب وأسوار. وكانت بعد فتحها عاصمة الحكم الإسرائيلي ، حتّى اتّخذ داوود أورشليم عاصمة البلاد.