أتيناك والعذراء يدمي لبانها |
|
وقد شغلت أمّ الصبيّ عن الطفل |
وألقى بكفّيه الصبيّ استكانة |
|
من الجوع ضعفا ما يمرّ ولا يخلي |
ولا شيء ممّا يأكل الناس عندنا |
|
سوى الحنظل العامّي والعلهز الفسل (١) |
وليس لنا إلّا إليك فرارنا |
|
وأين فرار الناس إلّا إلى الرّسل |
فقام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يجرّ رداءه حتّى صعد المنبر ، ثمّ رفع يديه إلى السماء فقال : «اللهمّ اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا غدقا ، طبقا عاجلا غير رائث (٢) ، نافعا غير ضارّ ، تملأ به الضرع وتنبت به الزرع ، وتحيي به الأرض بعد موتها ، وكذلك تخرجون».
قال : فوالله ما ردّ يديه إلى نحره حتّى ألقت السماء بأبراقها. فضحك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى بدت نواجذه ثمّ قال : لله درّ أبي طالب لو كان حيّا قرّت عيناه ، من ينشدنا قوله؟ فقام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام فقال : يا رسول الله كأنّك أردت :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
وهذا البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب رحمهالله ذكرها ابن اسحاق في السيرة بطولها وهي أكثر من تسعين بيتا (٣). قالها لمّا تمالأت قريش على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ونفّروا عنه من يريد الإسلام.
قال السهيلي : كيف قال أبو طالب : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ، ولم يره قطّ استسقى ، وإنّما كان استسقاءاته صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمدينة ، وفيها شوهد ما كان من سرعة إجابة الله له؟!
قال : فالجواب : أنّ أبا طالب قد شاهد من ذلك أيضا في حياة عبد المطّلب ما دلّه على ما قال.
[٢ / ٢١٢٢] فقد روى أبو سليمان حمد بن محمّد بن إبراهيم البستي النيسابوري : أنّ رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم قالت :
تتابعت على قريش سنو جدب قد أقحلت الظّلف (٤) وأرقّت العظم ، فبينا أنا راقدة للهمّ أو
__________________
(١) الحنظل العامّي : الّذي مضى عليه عام ويبس. والعلهز ، وبركان يخلط بدماء الحلم (وهي القردان تمصّ الدم من الجلد) ثمّ يشوى بالنار. فكانت العرب تقتات به عند سنيّ المجاعة. والفسل : الهزيل الذي لا رواء له.
(٢) يقال : طبق يفعل الشيء : طفق وأخذ يفعل. ويقال : راث وتريّث : أبطأ.
(٣) أوردها ابن هشام في السيرة (١ : ٢٩١ ـ ٢٩٩) أربعا وتسعين بيتا.
(٤) أي ذوات الظّلف. وأقحل الشيء : أيبسه.