مهدمة (١) ومعي صنوي (٢) إذا أنا بهاتف صيّت يصرخ بصوت صحل (٣) يقول : يا معشر قريش إنّ هذا النبيّ المبعوث منكم ، هذا إبّان نجومه (٤) فحيّهلا بالحيا والخصب (٥) ، ألا فانظروا منكم رجلا طوالا عظاما أبيض فظّا ، أشمّ العرنين ، له فخر يكظم عليه. ألا فليخلص هو وولده ، وليدلف إليه من كلّ بطن رجل. ألا فليشنّوا من الماء (٦) ، وليمسّوا من الطيب ، وليطوّفوا بالبيت سبعا .. ألا وفيهم الطيّب الطاهر لذاته. ألا فليدع الرجل وليؤمّن القوم. ألا فغثتم أبدا ما عشتم (٧).
قالت : فأصبحت مذعورة قد قفّ جلدي (٨) ووله عقلي ، فاقتصصت رؤياي ، فوا لحرمة والحرم ، إن بقي أبطحيّ إلّا قال : هذا شيبة الحمد (٩).
وتتامّت عنده قريش (١٠) وانفضّ إليه الناس من كلّ بطن رجل ، فشنّوا ومشوا واستلموا واطّوّفوا ، ثمّ ارتقوا أبا قبيس ... حتّى قرّوا بذروة الجبل ، واستكفّوا جنابيه (١١).
فقام عبد المطّلب فاعتضد (١٢) ابن ابنه محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم فرفعه على عاتقه ، وهو يومئذ غلام قد أيفع أو قد كرب (١٣). ثمّ قال :
«اللهم سادّ الخلّة وكاشف الكربة ، أنت عالم غير معلّم ومسؤول غير مبخّل (١٤). وهذه
__________________
(١) أي خائرة القوى منهارة الأشلاء.
(٢) الصّنو : الأخ الشقيق.
(٣) يقال : صحل صوته صحلا : غلظ وخشن فهو صحل.
(٤) أي هذا أوان ظهوره.
(٥) أي هلمّوا وأقبلوا بالحيا وهو ريع الزرع بوفور المطر. والخصب : كثرة العشب والخير.
(٦) أي يصبّوا عليهم الماء ، يراد به غسل الوجه والأكفّ أو الاغتسال.
(٧) غثتم : أي عمّكم الغيث. يقال : غاث الله البلاد : أنزل بها الغيث. غاث الغيث الأرض : نزل بها ، فغيثت الأرض وهي مغيثة.
(٨) أي يبس وتعضّن ، وهو تثنّي الجلد وتشنّجه.
(٩) لقب فخيم كان يلقّب به عبد المطّلب ، لأنّه تشيّب محمودا في قومه.
(١٠) يقال : تتامّ القوم أي جاؤوا كلّهم وانفضّ إليه الناس ، أي أتوه متفرّقين من كلّ بطن رجل.
(١١) أي أحاطوا بجوانبه. والجنابان : الناحيتان.
(١٢) اعتضده : احتضنه.
(١٣) يفع الغلام : ترعرع وناهز البلوغ. قوله : أو كرب أي أو قرب من اليفعة.
(١٤) أي غير منسوب إلى البخل.