لاجتماع خطوط مصاحف المسلمين ، واتّفاق قراءة القرّاء على ذلك. ولم يقرأ بترك التنوين فيه وإسقاط الألف منه إلّا من لا يجوز الاعتراض به (١) على الحجّة فيما جاءت به من القراءة مستفيضا بينها (٢).
***
وقال في تأويل قوله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ).
يعني بقوله : (وَضُرِبَتْ) أي فرضت ووضعت عليهم الذلّة وألزموها ؛ من قول القائل : ضرب الإمام الجزية على أهل الذمّة ، وضرب الرجل على عبده الخراج ؛ يعني بذلك وضعه فألزمه إيّاه ، ومن قولهم : ضرب الأمير على الجيش البعث (٣) ، يراد به ألزمهموه.
وأمّا الذلّة ، فهي الفعلة من قول القائل : ذلّ فلان يذلّ ذلّا وذلّة ، كالصغرة من صغر الأمر ، والقعدة من قعد ، والذلّة : هي الصغار الذي أمر الله جلّ ثناؤه عباده المؤمنين أن لا يعطوهم أمانا على القرار على ما هم عليه من كفرهم به وبرسوله إلّا أن يبذلوا الجزية عليه لهم ، فقال جلّ وعزّ : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)(٤). كما :
[٢ / ٢٢١٦] روى معمر ، عن الحسن وقتادة في قوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) قالا : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
وأمّا المسكنة ، فإنّها مصدر المسكين ، يقال : ما فيهم اسكن من فلان وما كان مسكينا ولقد تمسكن مسكنة. ومن العرب من يقول : تمسكن تمسكنا. والمسكنة في هذا الموضع مسكنة الفاقة والحاجة ، وهي خشوعها وذلّها ، كما :
[٢ / ٢٢١٧] روى الربيع ، عن أبي العالية في قوله : (وَالْمَسْكَنَةُ) قال : الفاقة.
[٢ / ٢٢١٨] وروى أسباط ، عن السدّي ، قوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) قال : الفقر.
__________________
(١) إذ لا يعتبر قراءة ابن مسعود حجّة في مقابلة قراءة المشهور وإجماع المصاحف.
(٢) الطبري ١ : ٤٤٦ ـ ٤٤٩.
(٣) البعث : بعث الجند إلى الغزو.
(٤) التوبة ٩ : ٢٩.