[٢ / ٢٢١٩] وروى ابن وهب ، عن ابن زيد في قوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) قال : هؤلاء يهود بني إسرائيل. قلت له : هم قبط مصر؟ قال : وما لقبط مصر وهذا؟ لا والله ما هم هم ، ولكنّهم اليهود يهود بني إسرائيل. فأخبرهم الله جلّ ثناؤه أنّه يبدلهم بالعزّ ذلّا ، وبالنعمة بؤسا ، وبالرضا عنهم غضبا ، جزاء منه لهم على كفرهم بآياته وقتلهم أنبياءه ورسله اعتداء وظلما منهم بغير حقّ ، وعصيانهم له ، وخلافا عليه.
وقال في تأويل قوله تعالى : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ)
يعني بقوله : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) انصرفوا ورجعوا ، ولا يقال باؤوا إلّا موصولا إمّا بخير وإمّا بشرّ ، يقال منه : باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء. ومنه قول الله عزوجل : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ)(١) يعني : تنصرف متحمّلهما وترجع بهما قد صارا عليك دوني.
فمعنى الكلام إذن : ورجعوا منصرفين متحمّلين غضب الله ، قد صار عليهم من الله غضب ، ووجب عليهم منه سخط. كما :
[٢ / ٢٢٢٠] روي عن الربيع في قوله : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) قال : فحدث عليهم غضب من الله.
[٢ / ٢٢٢١] وعن الضحّاك قال : استحقوا الغضب من الله (٢).
***
وقال في تأويل قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ).
يعني بقوله جلّ ثناؤه : (ذلِكَ) ضرب الذلّة والمسكنة عليهم ، وإحلاله غضبه بهم. فدلّ بقوله : (ذلِكَ) ـ وهي يعني به ما وصفنا ـ على أنّ قول القائل ذلك يشمل المعاني الكثيرة إذا أشير به إليها.
ويعني بقوله : (بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ) : من أجل أنّهم كانوا يكفرون ، يقول : فعلنا بهم من إحلال الذلّ والمسكنة والسخط بهم ، من أجل أنّهم كانوا يكفرون بآيات الله ، ويقتلون النبيين بغير الحقّ ، كما قال أعشى بني ثعلبة (٣) :
__________________
(١) المائدة ٥ : ٢٩.
(٢) الطبري ١ : ٤٤٩ ـ ٤٥٠.
(٣) ديوانه (ص ٦٨) من قصيدة يمدح بها هوذة بن عليّ الحنفي ، أوّلها :
غشيت لليلى بليل خدورا |
|
وطالبتها ونذرت النذورا |