مليكيّة جاورت بالحجا |
|
ز قوما عداة وأرضا شطيرا (١) |
بما قد تربّع روض القطا |
|
وروض التناضب حتّى تصيرا (٢) |
يعني بذلك : جاورت بهذا المكان هذه المرأة قوما عداة وأرضا بعيدة من أهله ـ لمكان قربها كان منه ومن قومه وبلده ـ من تربّعها روض القطا وروض التناضب. فكذلك قوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) يقول : كان ذلك منّا بكفرهم بآياتنا ، وجزاء لهم بقتلهم أنبياءنا. وقد بيّنا فيما مضى من كتابنا أنّ معنى الكفر : تغطية الشيء وستره ، وأنّ آيات الله : حججه وأعلامه وأدلّته على توحيده وصدق رسله.
فمعنى الكلام إذن : فعلنا بهم ذلك من أجل أنّهم كانوا يجحدون حجج الله على توحيده ، وتصديق رسله ويدفعون حقّيّتها ، ويكذّبون بها.
ويعني بقوله : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) : ويقتلون رسل الله الّذين ابتعثهم لإنباء ما أرسلهم به عنه لمن أرسلوا إليه.
وهم جماع واحدهم نبيّ غير مهموز ، وأصله الهمز ، لأنّه من أنبأ عن الله ، فهو ينبئ عنه إنباء ، وإنّما الاسم منه منبئ ، ولكنّه صرف وهو «مفعل» إلى «فعيل» ، كما صرف سميع إلى فعيل من مفعل وبصير من مبصر ، وأشباه ذلك ، وأبدل مكان الهمزة من النبئ الياء ، فقيل نبيّ.
هذا ويجمع النبيّ أيضا على أنبياء ، وإنّما جمعوه كذلك لإلحاقهم النبىء ـ بإبدال الهمزة منه ياء ـ بالنعوت التي تأتي على تقدير فعيل من ذوات الياء والواو ، وذلك أنّهم إذا جمعوا ما كان من النعوت على تقدير فعيل من ذوات الياء والواو جمعوه على أفعلاء ، كقولهم وليّ وأولياء ، ووصيّ وأوصياء ، ودعيّ وأدعياء ، ولو جمعوه على أصله الذي هو أصله ، وعلى أنّ الواحد «نبىء» مهموز
__________________
(١) مليكيّة : منسوبة إلى المليك ، وهو الملك. يريد أنّها من بنات الملوك. والعداة : جمع عاد ، وهو العدو المعتدي. والشطير : البعيد والغريب.
(٢) بما قد تربّع : يعني بسبب تربّعها ، والتربّع في المكان : الإقامة فيه زمن الربيع. وروضة القطا : قال ياقوت : من أشهر رياض العرب وأكثرها دورا في أشعارهم ، وهي بناحية كتلة وجدود. (معجم البلدان : مادة روضة القطا). وروضة التناضب : ذكرها أيضا ياقوت وأورد بيتي الأعشى وأضاف إليهما بيتا ثالثا ، وقوله : «حتّى تصيرا» : من قولهم صار الرجل يصير فهو صائر : إذا حضر الماء ، والقوم الّذين يحضرون الماء يقال لهم الصائرة ، والصير : الماء الذي يحضره الناس.