لجمعوه على فعلاء ، فقيل لهم النبآء ، على مثال النبغاء ، لأنّ ذلك جمع ما كان على فعيل من غير ذوات الياء والواو من النعوت كجمعهم الشريك شركاء ، والعليم علماء ، والحكيم حكماء ، وما أشبه ذلك. وقد حكي سماعا من العرب في جمع النبي النبآء ، وذلك من لغة الّذين يهمزون النبىء ، ثمّ يجمعونه على النبآء على ما قد بيّنت ، ومن ذلك قول عبّاس بن مرداس في مدح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم :
يا خاتم النّبآء إنّك مرسل |
|
بالخير ، كلّ هدى السبيل هداكا |
فقال : يا خاتم النّبآء على أنّ واحدهم نبىء مهموز.
وقد قال بعضهم : النبيّ والنبوّة غير مهموز ، لأنّهما مأخوذان من النّبوة ، وهي مثل النجوة وهو المكان المرتفع. وكان يقول : إنّ أصل النبي الطريق ، ويستشهد على ذلك ببيت القطامي :
لمّا وردن نبيّا واستتبّ بها |
|
مسحنفر كخطوط السّيح منسحل (١) |
يقول : إنّما سمّي الطريق نبيّا ، لأنّه ظاهر مستبين من النبوة. ويقول : لم أسمع أحدا يهمز النبيّ.
قال : وقد ذكرنا ما في ذلك وبيّنّا ما فيه الكفاية إن شاء الله.
ويعني بقوله : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) : أنّهم كانوا يقتلون رسل الله بغير إذن الله لهم بقتلهم منكرين رسالتهم جاحدين نبوّتهم.
وقال في تأويل قوله تعالى : (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) :
قوله : (ذلِكَ) ردّ على «ذلك» الأولى. ومعنى الكلام : وضربت عليهم الذلّة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ، من أجل كفرهم بآيات الله. وقتلهم النبيّين بغير الحقّ ، من أجل عصيانهم ربّهم واعتدائهم حدوده ؛ فقال جلّ ثناؤه : (ذلِكَ بِما عَصَوْا) والمعنى : ذلك بعصيانهم وكفرهم معتدين. والاعتداء : تجاوز الحدّ الذي حدّه الله لعباده إلى غيره ، وكلّ متجاوز حدّ شيء إلى غيره فقد تعدّاه
__________________
(١) رواية هذا البيت في معجم البلدان لياقوت (٥ : ٢٥٩): «واستتب بنا ... الشيخ». قال : وفي كتاب نصر : النبيّ : ماء بالجزيرة من ديار تغلب والنمر بن قاسط ... قال : والنبيّ أيضا موضع من وادي ظبي على القبلة منه إلى الهيل. واستتبّ الأمر والطريق : استوى واستقام وتبيّن واطّرد وامتدّ. ومسحنفر : صفة للطريق أي واسع ممتدّ. والسيح : ضرب من البرود أو العباء مخطّط ، يلبس أو يستتر به ويفرش. وسحلت الريح الأرض فانسحلت : كشطت ما عليها. وأمّا الشيح فهو نبات أنواعه كثيرة كلّه طيّب الرائحة والواحدة شيحة.