وشرّعنا إليها جداول يوم السبت ، فتمسك الحياض الحوت إلى يوم الأحد فنصطادها ، وفعلوا ذلك فغضب الله عليهم لهذا الحرص [الخليع] على الرزق. أو لأنّهم يشغلون بالهمّ يوم السبت بالفكر فيما تحصّل لهم أو لأنّهم تحيّلوا على اعتياض العمل في السبت.
وهذا هو الذي أحسبه ؛ لما اقترن به من الاستخفاف واعتقادهم أنّهم عملوا ما لم تهتد إليه شريعتهم ، فعاقبهم الله بما ذكره هنا.
قال : ولعلّ تحريم الصيد في يوم السبت ليكون أمنا للدوابّ.
وقوله : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ،) كونوا أمر تكوين ، وتكوينهم قردة يحتمل أن يكون بتصيير أجسامهم أجسام قردة مع بقاء الإدراك الإنساني وهذا قول الجمهور.
ويحتمل أن يكون بتصيير عقولهم كعقول القردة ، مع بقاء الهيكل الإنساني ، وهذا قول مجاهد.
قال : والثاني أقرب للتاريخ ، إذ لم ينقل مسخ في كتب تاريخ العبرانيّين ، ولذلك قال الفخر الرازي : ليس قول مجاهد ببعيد جدّا (١) لكنّه خلاف الظاهر ، وليست الآية صريحة في المسخ.
ومعنى كونهم قردة أنّهم لمّا لم يتلقّوا الشريعة بفهم مقاصدها ومعانيها وأخذوا بصورة الألفاظ ، فقد أشبهوا العجماوات في وقوفها عند المحسوسات ، فلم يتميّزوا عن البهائم إلّا بالشكل ، وهذه القردة تشاركهم في هذا الشّبه. وهذا معنى قول مجاهد : هو مسخ قلوب لا مسخ ذوات (٢).
وقال سيّد قطب : «وليس من الضروري أن يستحيلوا قردة بأجسامهم ، فقد استحالوا إليها بأرواحهم وأفكارهم ، وانطباعات الشعور والتفكير تعكس على الوجوه والملامح سمات تؤثّر في السّحنة وتلقي ظلّها العميق» (٣).
وعلى أيّة حال فإنّ هذه الحادثة الكارثة مضت عبرة رادعة في وقتها وبعد حين ، وبقيت موعظة نافعة لأهل التقوى واليقين ، تتمثّل لهم العبر فيما يأتي من عصور.
***
وبعد فإليك ما ورد من الروايات بهذا الشأن.
__________________
(١) التفسير الكبير ٣ : ١١١.
(٢) راجع : التحرير والتنوير لابن عاشور ١ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧.
(٣) في ظلال القرآن ١ : ٩٩ ـ ١٠٠.