قال أبو جعفر : هذه الآية وآيات بعدها ممّا عدّد ـ جلّ ثناؤه ـ فيها على بني إسرائيل الّذين كانوا بين خلال دور الأنصار زمان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذين ابتدأ بذكرهم في أوّل هذه السورة ، من نكث أسلافهم عهد الله وميثاقه ما كانوا يبرمون من العقود ، وحذّر المخاطبين بها أن يحلّ بهم ـ بإصرارهم على كفرهم ومقامهم على جحود نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وتركهم اتّباعه والتصديق بما جاءهم به من عند ربّه ـ مثل الذي حلّ بأوائلهم من المسخ والرّجف والصّعق ، وما لا قبل لهم به من غضب الله وسخطه.
[٢ / ٢٣٢٠] فعن أبي روق ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس في قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) يقول : ولقد عرفتم ، وهذا تحذير لهم من المعصية ، يقول : احذروا أن يصيبكم ما أصاب أصحاب السبت إذ عصوني ، (اعْتَدَوْا) يقول اجترأوا في السبت. قال : لم يبعث الله نبيّا إلّا أمره بالجمعة وأخبره بفضلها وعظّمها في السماوات وعند الملائكة ، وأنّ الساعة تقوم فيها ، فمن اتّبع الأنبياء فيما مضى كما اتّبعت أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم محمّدا قبل الجمعة وسمع وأطاع وعرف فضلها وثبت عليها بما أمره الله تعالى به ونبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن لم يفعل ذلك كان بمنزلة الّذين ذكر الله في كتابه ، فقال :
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ). وذلك أنّ اليهود قالت لموسى حين أمرهم بالجمعة وأخبرهم بفضلها : يا موسى كيف تأمرنا بالجمعة وتفضّلها على الأيّام كلّها ، والسبت أفضل الأيّام كلّها لأنّ الله خلق السماوات والأرض والأقوات في ستّة أيّام وسبت (١) له كلّ شيء مطيعا يوم السبت ، وكان آخر الستّة؟ قال : وكذلك قالت النصارى لعيسى بن مريم حين أمرهم بالجمعة ، قالوا له : كيف تأمرنا بالجمعة ، وأوّل الأيّام (٢) أفضلها وسيّدها ، والأوّل أفضل ، والله واحد ، والواحد الأوّل أفضل؟ فأوحى الله إلى عيسى أن دعهم والأحد ، ولكن ليفعلوا فيه كذا وكذا ممّا أمرهم به. فلم يفعلوا ، فقصّ الله تعالى قصصهم في الكتاب بمعصيتهم. قال : وكذلك قال الله لموسى حين قالت له اليهود ما قالوا في أمر السبت : أن دعهم والسبت فلا يصيدوا فيه سمكا ولا غيره ، ولا يعملون شيئا كما قالوا. قال : فكان إذا كان السبت ظهرت الحيتان على الماء فهو قوله : (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً)(٣) يقول : ظاهرة على الماء ، ذلك لمعصيتهم موسى. وإذا كان غير
__________________
(١) سبت : سكن.
(٢) يريدون الأحد.
(٣) الأعراف ٧ : ١٦٣. وحيتان شرّع أي شارعات من غمرة الماء إلى الجدّ ، لسان العرب ٨ : ١٧٨.