يوم السبت صارت صيدا كسائر الأيّام ، فهو قوله : (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ)(١). ففعلت الحيتان ذلك ما شاء الله ؛ فلمّا رأوها كذلك طمعوا في أخذها وخافوا العقوبة ، فتناول بعضهم منها فلم تمتنع عليه ، وحذر العقوبة التي حذّرهم موسى من الله تعالى. فلمّا رأوا أنّ العقوبة لا تحلّ بهم عادوا وأخبر بعضهم بعضا بأنّهم قد أخذوا السمك ولم يصبهم شيء ، فكثروا في ذلك وظنّوا أنّ ما قال لهم موسى كان باطلا ، وهو قول الله جل ثناؤه : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) يقول لهؤلاء الّذين صادوا السمك ، فمسخهم الله قردة بمعصيتهم ، يقول : إذا لم يحيوا في الأرض إلّا ثلاثة أيّام ، ولم تأكل ، ولم تشرب ، ولم تنسل ، وقد خلق الله القردة والخنازير وسائر الخلق في الستّة الأيّام التي ذكر الله في كتابه ، فمسخ هؤلاء القوم في صورة القردة ، وكذلك يفعل بمن شاء كما يشاء ، ويحوّله كما يشاء.
[٢ / ٢٣٢١] وروى ابن حميد بالإسناد إلى ابن عبّاس ، قال : إنّ الله إنّما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم يوم الجمعة ، فخالفوا إلى السبت فعظّموه وتركوا ما أمروا به ، فلمّا أبوا إلّا لزوم السبت ابتلاهم الله فيه ، فحرّم عليهم ما أحلّ لهم في غيره. وكانوا في قرية بين أيلة والطور يقال لها «مدين» ، فحرّم الله عليهم في السبت الحيتان صيدها وأكلها ، وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم شرّعا إلى ساحل بحرهم ، حتّى إذا ذهب السبت ذهبن ، فلم يروا حوتا صغيرا ولا كبيرا. حتّى إذا كان يوم السبت أتين إليهم شرّعا ، حتّى إذا ذهب السبت ذهبن. فكانوا كذلك ، حتّى إذا طال عليهم الأمد وقرموا (٢) إلى الحيتان ، عمد رجل منه فأخذ حوتا سرّا يوم السبت فخزمه بخيط (٣) ، ثمّ أرسله في الماء ، وأوتد له وتدا في الساحل ، فأوثقه ثمّ تركه. حتّى إذا كان الغد جاء فأخذه ؛ أي إنّي لم آخذه في يوم السبت! ثمّ انطلق به فأكله. حتّى إذا كان يوم السبت الآخر عاد لمثل ذلك. ووجد الناس ريح الحيتان. فقال أهل القرية : والله لقد وجدنا ريح الحيتان. ثمّ عثروا على ما صنع ذلك الرجل (٤). قال : ففعلوا كما فعل ، وأكلوا سرّا زمانا طويلا لم يعجل الله عليهم بعقوبة حتّى
__________________
(١) الأعراف ٧ : ١٦٣.
(٢) القرم : شدة الشهوة إلى اللحم.
(٣) خزمه : شكّه وثقبه.
(٤) عثروا عليه : أطلعوا عليه.