صادوها علانية وباعوها بالأسواق ، وقالت طائفة منهم من أهل البقية (١) : ويحكم اتّقوا الله! ونهوهم عمّا كانوا يصنعون. وقالت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان ولم تنه القوم عمّا صنعوا : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) لسخطنا أعمالهم (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٢).
قال ابن عبّاس : فبينما هم على ذلك أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم ، وفقدوا الناس فلا يرونهم ، فقال بعضهم لبعض : إنّ للناس لشأنا فانظروا ما هو! فذهبوا ينظرون في دورهم ، فوجدوها مغلقة عليهم ، قد دخلوا ليلا فغلقوها على أنفسهم كما تغلق الناس على أنفسهم ، فأصبحوا فيها قردة ، إنّهم ليعرفون الرجل بعينه وإنّه لقرد ، والمرأة بعينها وإنّها لقردة ، والصبي بعينه وإنّه لقرد.
قال ابن عبّاس : فلو لا ما ذكر الله أنّه أنجى الّذين نهوا عن السوء لقلنا أهلك الجميع منهم. قالوا : وهي القرية التي قال الله لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ)(٣) الآية.
[٢ / ٢٣٢٢] وعن قتادة في قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) قال : أحلّت لهم الحيتان وحرّمت عليهم يوم السبت بلاء من الله ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه. فصار القوم ثلاثة أصناف : فأمّا صنف فأمسك ونهى عن المعصية ، وأمّا صنف فأمسك عن حرمة الله ، وأمّا صنف فانتهك حرمة الله ومرد على المعصية ، (٤) فلمّا أبوا إلّا الاعتداء إلى ما نهوا عنه ، قال الله لهم : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) فصاروا قردة لها أذناب ، تعاوى ، بعد ما كانوا رجالا ونساء.
[٢ / ٢٣٢٣] وروى عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) قال : نهوا عن صيد الحيتان يوم السبت ، فكانت تشرّع إليهم يوم السبت ، وبلوا بذلك فاعتدوا فاصطادوها ، فجعلهم الله قردة خاسئين.
[٢ / ٢٣٢٤] وروى أسباط ، عن السدّي : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) قال : فهم أهل أيلة ، وهي القرية التي كانت حاضرة البحر. فكانت الحيتان إذا كان يوم السبت ـ وقد حرّم الله على اليهود أن يعملوا في السبت شيئا ـ لم يبق في البحر حوت إلّا خرج حتّى
__________________
(١) أهل البقية : أهل التمييز والفهم.
(٢) الأعراف ٧ : ١٦٤.
(٣) الأعراف ٧ : ١٦٣.
(٤) مرد : طغا وجاوز حدّه.