إرادة الحقيقة.
قال تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ. فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)(١).
وقال : (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(٢).
وقال : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ)(٣).
وهذا نظير قوله : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ)(٤) أي كأنّه خلق من عجل لفرط عجله في الأمور. (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً)(٥) أي دأب على العجلة.
وقوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)(٦). قال الزمخشري : إنّ الإنسان لإيثاره الجزع والمنع وتمكّنهما منه ورسوخهما فيه ، كأنّه مجبول عليهما مطبوع ، وكأنّه أمر خلقي وضروري غير اختياري. كقوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ).
واستدلّ على أنّه من الاستعارة والتشبيه بأنّه ذمّ ، والله لا يذمّ فعل نفسه لو كان هو خلقه كذلك. لكن الإنسان لفرط جهله وإفراطه في الأمور ، صار متطبّعا على ذلك ، كأنّه مطبوع ومفطور عليه ذاتا.
قال : والدليل عليه : استثناء المؤمنين (إِلَّا الْمُصَلِّينَ ..) الّذين جاهدوا أنفسهم وحملوها على المكاره وظلفوها عن الشهوات ، حتّى لم يكونوا جازعين ولا مانعين (٧).
[٢ / ٢٣٦٦] وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «شرّ ما في رجل شحّ هالع وجبن خالع» (٨).
[٢ / ٢٣٦٧] وقال : «لا يجتمع شحّ وإيمان في قلب رجل مسلم» (٩).
__________________
(١) البقرة ٢ : ٦٥ ـ ٦٦.
(٢) الأعراف ٧ : ١٦٦.
(٣) المائدة ٥ : ٦٠.
(٤) الأنبياء ٢١ : ٣٧.
(٥) الإسراء ١٧ : ١١.
(٦) المعارج ٧٠ : ١٩ ـ ٢١.
(٧) الكشّاف ٤ : ٦١٢.
(٨) أبو داوود ١ : ٥٦٤ / ٢٥١١ ، كتاب الجهاد ، باب الجرأة والجبن. مسند أحمد ٢ : ٣٠٢ و ٣٢٠.
(٩) مسند أحمد ٢ : ٢٥٦ ، ٣٤٠ ، ٣٤٢ ، ٤٤١ ؛ النسائي ٣ : ١٠ ـ ١١ / ٤٣٢٣.